• الاستدلال الرياضي

    الاستدلال الرياضي

            إذا كان لنا أن نتكلم عن " معجزة إغريقية " في تطور الفكر الإنساني, فلعله يجدر بنا أن نلمس ذلك في البروز المفاجئ لنمط من التفكير لم يوجد عمليا حتى مجيء الإغريق, وهو النمط الذي رفعه الإغريق دفعة واحدة إلى درجة من الكمال لم يضاهيهم فيها أحد طوال عشرين قرن, إنه الاستدلال الاستنتاجي بمعنى تسلسل من القضايا مرتبة ترتيبا  يجد القارئ أو السامع نفسه معه مجبرا على أن يقر بصحة كل قضية من تلك القضايا مادام أنه سلم بصحة القضايا التي سبقتها في الاستدلال.

    إن الشرط الجوهري لتطبيق الاستدلال الاستنتاجي هو صحة المقدمات, فعندما تكونت الرياضيات بصفتها علما مستقلا وعندما شرع الإغريق في تقنين قضايا هذا العلم انتهى بهم الأمر إلى قضايا أولية أي إلى قضايا لا بد من التسليم بصحتها دون برهان. بعض هذه القضايا تسمى عند أقليدس أوليات وبعضها الآخر مصادرات... وهي على ما يبدو تعتبر قضايا بديهية بحكم أنها متضمنة ضرورة في التمثل الذهني الذي يمكن أن يكون لنا عن هذه المفاهيم أما المصادرات فتتعلق بالكائنات الرياضية بالمعنى الدقيق.

    وشهد هذا الموقف تطورا في تحول التحليل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومن هنا جاءت الضرورة المطلقة التي غدت تفرض نفسها على كل رياضي وهي ضرورة أن يعرض استدلالاته في شكل أكسيومي أو في شكل تتسلسل فيه القضايا بمقتضى قواعد المنطق وحدها وذلك بغض النظر إراديا عن كل البداهات الحسية التي يمكن أن توحي بها للفكر الحدود التي تتضمنها هذه الاستدلالات.

     

                                                         ديودني: تيارات الفكر الرياضي الكبرى 

    « الرياضيات التقليدية والمعاصرة ألبرت إنشطاينبرغسون »

  • تعليقات

    لا يوجد تعليقات

    Suivre le flux RSS des commentaires


    إظافة تعليق

    الإسم / المستخدم:

    البريدالإلكتروني (اختياري)

    موقعك (اختياري)

    تعليق