•    الحقيقة والعنف

    إريك فايل


    "ليست الحقيقة هي مشكلة الفلسفة  بل وليست حتى مشكلة أمام الفلسفة: فما سميناه بالوعي الصحيح إنما يعني بالضبط أن كل سؤال. يخص إمكانية الفلسفة. وأن كل تأمل "منهجي". بخصوص الخطاب في شموليته . هما . في آن معا .سطحيان و لا معنى لهما على وجه الدقة. إن آخر الحقيقة ليس هو الخطأ. وإنما هو العنف. ورفض الحقيقة والمعنى و التماسك. ومن ثم اختيار الفعل السالب أو اللغة المفككة و الخطاب التقني الذي يقدم الخدمة دون طرح السؤال لخدمة ماذا . و لزوم الصمت. وهو تعبير عن الشعور الشخصي الذي يريد أن يكون شخصيا(...)

    إن الذات التي يصدر عنها الخطاب أو فاعل الخطاب هو الخطاب نفسه. وليس موضوعه شيئا آخر سوى ذاته كذلك. أما "مشكل الحقيقة" إذا لم يفهم بالمعنى العلمي ولكن بالمعنى الفلسفي. فهو ليس تطابق الفكر مع الواقع وإنما تطابق الإنسان مع الفكر. أي مع الخطاب المتماسك. سيبدو هذا التعبير فارغا و متناقضا - فقط - طالما بقينا ضمن الخطاب التقليدي . الخطاب الذي يزعم التفوق على الآخر في الخطاب. أي على الوجود لا ينكشف إلا في الخطاب . وأن الخطاب لا يخرج أبدا عن ذاته (...)
    صحيح أن الفلسفة كلام صادر عن فرد مشخصن . لكنه فرد مشخصن قرر أن يفهم . في وضعية ملموسة . لا فقط وضعيته الخاصة و لكن أن يفهم كذلك فهمه لتلك الوضعية . فأنا الذي اعرف أني لست حرا في هذا العالم . و أنه عالم العنف و الشقاء والجوع والتنكيل و الموت العنيف . لكني أنا كذلك من يريد أن يفكر في هذا العالم تبعا للمعنى الذي يمتلكه . ومن تم أريد تحقيق معنى العالم بواسطة الخطاب و العقل و العمل المعقول.

    تعليقك
  • الحقيقة والصلاحيّة

    يجب أن لا نخلط بين صلاحية استدلال ما وحقيقة القضايا التي تكوّنه . وإليك ، على سبيل المثال ، استدلالين على غاية من البساطة :

    كل مثلث هو ثلاثي الأضلاع إذن فكل ثلاثي الأضلاع مثلث

    كل مثلث هو رباعي الأضلاع ، إذن فبعض رباعي الأضلاع مثلث.

    إذا فكرنا برهة من الزمن تبيّن لنا أن الاستدلال الأول غير مقبول منطقيا رغم أن القضيتين فيه حقيقيّتان ، وأن الاستدلال الثاني مقبول رغم أن القضيتين فيه باطلتان .

    وغالبا!ما نعبر عن هذا التمييز بأن نقابل الحقيقة المادية بحقيقة صورية ، وبأن ننعت استدلالا صالحا بأنه حقيقي من حيث صورته ، بصرف النظر عن حقيقة مادته ، أي عن محتواه . و لمّا كان المنطق لا يهتمّ إلاّ بهذه الصورة، سمّي منطقا صوريا. فما هي إذن صورة الاستدلال ، وماذا نفهم من عبارة حقيقة صورية ؟

    فلننظر في القياس التقليدي :

    كل إنسان فان        سقراط إنسان    إذن فسقراط فان 

    من الواضح - بادئ ذي بدء - أن صلاحية هذا الاستدلال لا ترتبط البتة بالشخص المعني فيه . فإذا كان هذا الاستدلال صحيحا بالنسبة إلى سقراط ، فهو صحيح أيضا بالنسبة إلى أفلاطون و ألسبياد ، أو بالنسبة إلى أي كان . ويمكننا إذن أن نعوّض فيه اسم سقراط بحرف " س "، يقوم بدور المتغير اللامحدد ، ويشير إلى المكان الذي يحتله اسم إنسان ما (...) و سنطلق على هذا المتغيّر " س "، الذي يمثل شخصا ما، اسم: متغير فردي ويمكننا وقتئذ أن نكتب استدلالنا بهذا الشكل المبسّط:

         كل إنسان فان          " س " إنسان          إذن ف " س " فان

    ولنتقدم خطوة ثانية : إن صلاحية هذا الاستدلال لا تتوقف أيضا على المفهومين الماثلين فيه: إنسان ، فان ، فمن الجائز إذن تعويضهما بغيرهما دون أن يفقد الاستدلال قوته ، وسأعمد ، بيانا لهذه الإمكانية ، إلى تعويض الكلمتين اللتين تعنيان هذين المفهومين بحرفين رمزيين هما: ف ، ج ، قادرين على تمثيل مفاهيم أيا كانت ، سيكونان متغيرين مفهوميين ، ومن ثم ينشأ شكل جديد :

    كل " ف " هو " ج "          " س " هو " ف "             إذن فإن " س " هو " ج "

    إنني أستخلص ، بهذه الطريقة، الهيكل المنطقي الاستدلالي ، بتجريده ، تدريجيا، من محتواه الأصلي . فالحروف الرمزية تشير فيه إلى أماكن شاغرة يمكن ملؤها بمحتوى ما، مع مراعاة شرط وحيد، وهو أن نضع مكان "  س " اسم شخص ، ومكان " ف " و " ج " ألفاظا تعبّر عن مفاهيم . فتلك الحروف شبيهة بأماكن البياض في " صيغة " مطبوعة يُطلب منّا إكمالها بالقلم ، من خلال إشارات وتعليمات تضفي - !حدها - على الورقة قيمة الإرشادات . والأمر هنا سواء بسواء . لم يعد أمامنا إلا شكل استدلال ، أو إن شئنا قالب استدلالات ، يعطينا استدلالا إذا ما صببنا فيه مادة. غير أنه ، مهما تكن هذه المادة ، فإنّ الاستدلال صحيح ، لأن صلاحيته لا تتوقف إلا على شكل القالب وهو شكل يظل ثابتا لا يتغير.

    تلك هي الحقائق التي يتابع المنطقي بحثها والنظر فيها . الحقائق الصورية التّي لا يتبقّى منها غير صياغتنا لها، إلي جانب الحروف الدالة على أمكنة شاغرة لمحتوى ممكن ، سوى عبارات ليس لها أيّ معنى تجريبي ، ولا تمثل من الخطاب إلا لحمته المنطقية وسداه مثل: لو. . . ، إذن ، كل ، هو ، و... 

                                               ر.بلانشي  "مدخل إلى المنطق المعاصر"

     

     


    تعليقك
  •  

           في ماهية الحقيقة

    مارتن هيدجر 

          "لقد انكشفت ماهية الحقيقة كحرية. هذه الأخيرة هي عملية ترك الموجود المنفتح يوجد، التي تكشف الموجود. كل سلوك منفتح يحدث تاركا الموجود يوجد ومتخذا موقفا من هذا الموجود الخاص أو ذاك. لقد جعلت الحرية كل سلوك متوافقا، من قبل، مع الموجود في كليته من حيث إنها استسلام ام انكشاف هذا الموجود في كليته وكما هو. وهذا التقبل (التهيؤ) لا يترك نفسه أبدا يدرك "كحالة من حالات النفس". إذ أننا بذلك نحرفه عن ماهيته ونفهمه انطلاقا من مدلولات ("كالحياة" و"النفس") لا يمكنها هي ذاتها أن تطمح إلى شرف الماهية إلا ظاهريا وطالما أخطأنا في فهم هذا التقبل وحرفنا دلالته. إن الموافقة التقبلية أي التعرض التخارجي أمام الموجود في كليته لا يمكن أن تكون "معاشة" و"محسوسة" إلا لأن "الإنسان، وهو الكائن المزود بإحساس وشعور" قد أسلم نفسه لموافقة كاشفة للموجود غي كليته، دون أن يستشعر ماهية هذا التهيؤ التقبلي. إن كل سلوك للإنسان التاريخي-سواء أحس بذلك بوضوح أم لا، وسواء فهمه أم لا- هو سلوك متوافق، وبهذا التوافق فهو محمول في الموجود في كليته.

          إن درجة تجلي الموجود في كليته يختلف عن مجموع الموجودات المعروفة فعلا. وعلى العكس من ذلك، فإنه عندما يكون الموجود معروفا معرفة أقل من طرف الإنسان وليس مدركا إلا بشكل أولي من طرف العلم، فإن تجلي الموجود في كليته يمكن أن يتأكد بصورة أكثر أساسية أكثر مما هو الأمر عندما يصبح ما هو معروف ومعطى باستمرار للمعرفة غير قابل للاستنفاذ بالنسبة للنظر، وعندما لا يكون هناك شيء يقاوم حماس المعرفة، وذلك عندما تنطلق قدرة التقنية للسيطرة على الأشياء في هيجان لا نهاية له. وبالضبط في هذه التسوية التسطيحية العارفة بكل شيء من طرف معرفة، لم تعد سوى مجرد معرفة، يخفت تجلي الموجود، ويغرق في الخواء (nullité ) الظاهر لما ليس فيه اختلاف لما ليس إلا نسيا منسيا. إن ترك الموجود يوجد، الذي هو مولد التوافق (توافق الدازاين مع الموجود في كليته)، يغمر ويسبق كل سلوك منفتح يحدث داخله. فسلوك الإنسان مخترق من قبل تجلي الموجود في كليته. وهذه الـ"في كليته" تظهر مع ذلك بالنسبة لأفق الانشغال والحساب اليوميين، كشيء لا يمكن إدراكه ولا التنبؤ به.
           إنه لا يمكن أحدا من التوصل إليه انطلاقا من الموجود الذي تجلى منذ حين سواء كان هذا الأخير منتميا إلى الطبيعة أو إلى التاريخ. ورغم أنه يخترق باستمرار كل شيء يجعله متوافقا معه، فإنه يبقى، مع ذلك هو ذاته اللامحدد والممتنع عن التحديد، ولذلك فنحن غالبا ما نخلط بينه وبين ما هو أكثر تداولا وأقل بروزا. وما يخترقنا بهذا الشكل (من حيث إنه يجعلنا نتوافق) ليس لا شيء، بل هو، على العكس من ذلك، إخفاء للموجود في كليته. وبما أن ترك الموجود يوجد يترك الموجود يكون هو الذي يحيل إليه في سلوكه الخاص، وبذلك يكشفه، فإنه (أي ترك الموجود يوجد) يحجب الموجود في كليته. إن ترك الموجود يوجد هو في ذاته إذن وفي نفس الوقت اختفاء. في الحرية المنفتحة للدازاين يتحقق اختفاء الموجود في كليته وذاك هو الحجب والاحتجاب (L’obnubilation ). 
    ترجمة: د. محمد سبيلا

    تعليقك
  • الواجب أسمى من المصلحة الفردية

    الواجب أسمى من المصلحة الفردية

     

    علال الفاسي 

    إننا قادرون على التفكير كل التفكير فيما نعتقد انه مصلحتنا الخاصة،فيما يرجع طعامنا وشرابنا مثلا، وفيما يوصلنا لبعض الأرباح التي نريدها.و لكننا إذا وقفنا إزاء الواجب بقينا حائرين لا نبدي أي اهتمام ولا شعور. 

    حينما هاجت مدينة فاس ضدا قرار الأشغال العمومية المتعلقة بمسألة المياه في أوائل عهدنا بالحركة الوطنية قلت لرفقائي :حينما تحل الواجبات الوطنية محل الماء من شعور أهل فاس و فكرهم يمكنهم ان يهبوا للدفاع عن الحق و أداء ما عليهم نحوه.

    ويظهر انه لحد الآن، وعلى الرغم من كل ما مر من مظاهر التطور، لم يصل الذهن المغربي ليحل الواجب المقدس منه محل الماء والحاجات الأخرى، ولذلك فهو لا يزال يعتبر الواجب شيئا ثانويا يمكنه أن يقوم به متى انتهى من مآربه الخاصة و شؤونه الأكثر حيوية والأجدر بعنايته حسب نظره من كل ما عداها(...)

    ولقد سمعنا من بعض رجال الحكومة المغربية شكاية عظيمة من الموظفين المغاربة الذين لا يريدون أن يشتغلوا في غير المدن، وهي شكاية قد لا نعيرها التفاتا لأنها صادرة عن جهة مهتمة، ولكن واجبنا ان نفكر في أسبابها؛ إذ الحقيقة أن مصدرها موجود وهو ما نتحدث عنه في إيثار الراحة على الواجب(...)

     إن عدم الاهتمام بالواجب هو الذي يفسد على عائلاتنا تربية أبنائها وطمأنينة حياتها، وهو الذي يفسد على ولاتنا مقدرتهم على تحمل المسؤولية الاضطلاع بالمهام، وهو الذي يحول دون صفحنا وجلاتنا من أن تسير إلى الأمام، لأنها لا تجد أولئك الكتاب الذين يواظبون على أداء مهمة الكتابة المتقنة في الوقت المنشود، وهي التي تحول بيننا وبين المشاركة في كثير من المظاهرات الثقافية أو الفكرية على الأقل، وهي التي كثيرا ما تمس بصميم حركتنا فتؤخر نجاح عديد من أعمالها(...)

    إن التفكير بالواجب هو المنهج الوحيد لتكوين الشخصية المستقلة التي تعيش للمجموع وتحيا لخدمة الأمة.

       علال الفاسي، النقد الداتي،دار الفكرالعربي،بدون تاريخ،ص :  27-30

     

     


    تعليقك
  •       معرفة الغير ممكنة

    موريس مرلوبونتي  

     

     

    يقول مرلوبونتي:

      "إما أنا أو الآخر، علينا أن نختار بينهما، هكذا قيل. غير أننا نختار الواحد ضد الآخر، ونؤكد حينئذ النزاع . فيحوّلني الآخر إلى موضوع ثم ينفيني، وأنا بدوري أحول الآخر إلى موضوع ثم أنفيه، هكذا قيل . لكن نظرة الآخر لا تحولني في حقيقة الأمر إلى موضوع ، كما أن نظرتي لا تحول الآخر إلى موضوع إلا إذا انسحب كل منا داخل طبيعته المفكرة وأضحى كل منا نظرة لا إنسانية بالنسبة إلى الآخر، إلا إذا أحس كل منا بأفعاله ، لا من حيث أن الآخر يستعيدها ويفهمها، بل من حيث هو يلاحظها كما لو كانت أفعال حشرة. هذا ما يحصل مثلا عندما يسلط علي نظر شخص مجهول . 

    غير أن الإحساس بوطأة موضعة كل واحد منا بفعل نظرة الآخر، هذا الإحساس لا يصبح ممكنا في هذه الحالة إلا لأنه يحل بدل تواصل ممكن . إن نظرة كلب إلي لا تحرجني البتة. فرفض التواصل هو كذلك ضرب من التواصل. إن الحرية التي تتخذ شتى الأشكال ، والطبيعة المفكرة، وهوية الشخص التي لا يشاركه فيها أحد، والوجود الذي لا قيمة له ولا معنى، كل هذا يرسم لدي ولدى الآخر حدود كل تعاطف ، ويعلق التواصل فعلا، لكن لا يقضي عليه . 

    فان كان الأمر يتعلق بشخص مجهول لم ينطق بعد تجاهي بكلمة واحدة ؛ يبقى بوسعي الاعتقاد أنّه يعيش في عالم مغاير لعالمي ، عالم لا تستحق فيه أفعالي ومشاعري أي مكان . لكن يكفي أن ينطق بكلمة أو أن تصدر عنه حركة تنم عن نفاد صبره حتى يكف عن الاستعلاء علي . ذلك إذن هو صوته ، وتلك هي أفكاره . ذلك هو إذن المجال الذي كنت أعتقد أنّي لا أطاله . إن أي كائن [ إنساني ] لا يستعلي على الكائنات [ الإنسانية ] الأخرى بشكل نهائي إلاّ متى ظل عاطلا وجاثما على اختلافه الطبيعي . 

      

     --------------- 

     

    موريس مرلوبونتي، في " ظاهراتية الإدراك " 


    تعليقك
  •  

                       الهوية الشخصية

    جون لوك

     

     

         "لكي نهتدي إلى ما يكون الهوية الشخصية لابد لنا أن نتبين ما تحتمله كلمة الشخص من معنى. فالشخص، فيما أعتقد، هو كائن مفكر عاقل قادر على التعقل و التأمل و على الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها، وأنها هي نفس الشيء الذي يفكر في أزمنة و أمكنة مختلفة. و وسيلته الوحيدة لبلوغ ذلك هو الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة. و هذا الشعور لا يقبل الانفصال عن الفكر بل هو، فيما يبدو لي، ضروري و أساسي تماما بالنسبة للفكر، مادام لا يمكن لأي كائن(بشري) كيفما كان، أن يدرك إدراكا فكريا دون أن يشعر أنه يدرك إدراكا فكريا. 

           عندما نعرف أننا نسمع أو نشم أو نتذوق أو نحس بشيء ما أو نتأمله أو نريده، فإنما نعرف ذلك في حال حدوثه لنا. إن هذه المعرفة تصاحب على نحو دائم إحساساتنا وإدراكاتنا الراهنة، وبها يكون كل واحد منا هو نفسه بالنسبة إلى ذاته(...) إذ لما كان الشعور يقترن بالفكر على نحو دائم، و كان هذا ما يجعل كل واحد هو نفسه، و يتميز به، من ثم، عن كل كائن مفكر آخر، فإن ذلك هو وحده ما يكون الهوية الشخصية أو ما يجعل كائنا عاقلا يبقى هو هو".

    ---------------

     

    J. locke Essai philosophique concernant l'entendement humain; livre3,chap27,vrin1972)  

      

      

     

     


    تعليقك
  •  ديكارت            الشك طريق اليقين 

     

            "من حيث أننا كنا أطفالا قبل أن نكون رجالا، وأننا قد أصبنا حينا وأخطأنا حينا آخرا في الحكم على الأشياء التي عرضت لحواسنا حينما لم نكن قد استكملنا بعد استعمال عقولنا، فإن أحكاما كثيرة قد تعجلنا في إطلاقها تمنعنا من الوصول إلى معرفة الحقيقة، وتتشبث بنفوسنا تشبثا يلوح لنا معه أن من المحال أن نتخلص منها ما لم نشرع، مرة في الشك في جميع الأشياء التي قد نجد فيها أدنى شبهة من قلة اليقين.

         قد يكون من النافع جدا أن نعد الأشياء التي قد نتخيل فيها أقل شك غير صحيحة، حتى إذا وجدنا أن بعضها رغم هذا الاحتياط، يبدو لنا بجلاء أنه صحيح، اعتبرناه يقينيا جدا وعددناه أسهل ما يمكن معرفته.

           على أن بودي أن نلاحظ أني لا أقصد أن نستعمل الشك على هذا النحو إلا حين نشرع في العكوف على تأمل الحقيقة، لأن من المحقق أننا فيما يختص بسلوك حياتنا مضطرون في معظم الأحيان إلى متابعة آراء ليست إلا احتمالية، ذلك لأن فرص العمل في شؤون حياتنا تكاد دائما أن تنقضي قبل أن يتيسر لنا أن نتخلص من جميع شكوكنا. فإذا صادفنا منها آراء كثيرة كهذه في موضوع واحد، ولم نكن نستطيع ترجيح بعضها على البعض الآخر، وكان العمل لا يحتمل أي تأخير، فإن العقل يقضي بأن نختار منها رأيا، وبعد اختياره أن نثابر على اتباعه كما لو كنا قد حكمنا عليه بأنه يقيني جدا.

            لكن لما كان غرضنا الآن مقصورا على الانصراف إلى البحث عن الحقيقة، فبوسعنا أن نشك أولا بصدد الأشياء التي وقعت تحت حواسنا أو التي تخيلناها إطلاقا فنتساءل هل منها ما هو موجود حقا في العالم. وذلك لأن التجربة قد دلتنا على أن حواسنا قد خدعتنا في مواطن كثيرة، وأنه يكون من قلة التبصر أن نطمئن كل الاطمئنان إلى من خدعونا ولو مرة واحدة، وكذلك لأننا نكاد نحلم دائما ونحن نائمون.

    ويبدو لنا حينذاك أننا نحس بشدة ونتخيل بوضوح عددا لا يحصى من الأشياء التي ليس لها وجود في الخارج. ومتى صمم الإنسان على أن يشك في كل شيء لم يعد يجد علامة للتمييز بين الخواطر التي ترد علينا في حال النوم وتلك التي ترد علينا في حال اليقظة.

          وبوسعنا أن نشك أيضا في جميع الأشياء التي بدت لنا من قبل يقينية جدا. بل نشك في براهين الرياضة وفي مبادئها وإن تكن في ذاتها جلية جلاء كافيا. لأن من الناس من أخطأوا وهم يفكرون في مثل هذه الأمور، وعلى الخصوص لأننا علمنا أن الله الذي خلقنا يستطيع أن يفعل ما يشاء،  وما ندري بعد فربما كانت مشيئته أن يجعلنا بحيث نكون دائما على ضلال، حتى في الأشياء التي نظن أننا على بينة منها، فإنه ما دام قد سمح بأن نضل في بعض الأحيان، كما علمنا من ملاحظة الواقع، فلم لا يستطيع أن يسمح بأن نضل على الدوام ؟ وإذا افترضنا أن إلها واسع القدرة ليس هو بارئ وجودنا، فبقدر ما نفترض هذا الخالق أقل قدرة يكون لدينا أسباب أدعى إلى الاعتقاد بأننا لم نبلغ من الكمال ما يحول دون تعرضنا للضلال باستمرار.

         على فرض أن الذي خلقنا واسع القدرة: وعلى فرض أنه يرضيه إضلالنا. فنحن لا نخلو من أن نجد في أنفسنا حرية نستطيع بها إذا شئنا أن نمتنع عن التصديق بالأشياء التي لا نعرفها حق المعرفة. وبهذا نمنع أنفسنا من الضلال.

         ونحن حين نرفض على هذا النحو كل ما يمكننا أن نشك فيه بل وحين نخاله باطلا، يكون من الميسور لنا أن نفترض أننا غير موجودين حين نشك في حقيقة هذه الأشياء جميعا، لأن مما تأباه عقولنا أن نتصور أن ما يفكر لا يكون موجودا حقا حينما يفكر. وعلى الرغم من أشد الافتراضات شططا فإننا لا نستطيع أن نمنع أنفسنا من الاعتقاد بأن هذه النتيجة: أنا أفكر، وإذن فأنا موجود صحيحة. وبالتالي أنها أهم وأوثق معرفة تعرض لمن يدير أفكاره بترتيب.

          ويبدو لي أيضا أن هذا المسلك هو خير المسالك التي نستطيع أن نختارها لكي نعرف طبيعة النفس وأنها جوهر متميز كل التميز عن البدن: لأننا حين نفحص عن ماهيتنا نحن الذين نفكر الآن في أنه ليس خارج فكرنا شيء هو موجود حقا، نعرف جليا أننا لا نحتاج لكي نكون موجودين إلى أي شيء آخر يمكن أن يعزى إلى الجسم، وإنما وجودنا بفكرنا وحده. وإذن ففكرتنا عن نفسنا أو عن فكرنا سابقة على فكرتنا عن الجسم، وهذه الفكرة أكثر يقينا. بالنظر إلى أننا لا نزال نشك في وجود أي جسم في حين أننا نعرف على وجه اليقين أننا نفكر" 

     ---------------

     

    ريني ديكارت، مبادئ الفلسفة، ترجمة عثمان أمين، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1974، ص: 53-57


    2 تعليقات
  • فريدريك إنجلز         الدولة والعنف

     

    ---------------

    "ليست الدولة سلطة مفروضة على المجتمع من خارجه، كما أنها ليست "حقيقة الفكرة الأخلاقية " ولا "صورة العقل وحقيقته " كما زعم هيجل، وإنما هي، بالأحرى، نتاج المجتمع في طور معين من أطوار نموه . إنها شهادة على أن هذا المجتمع قد تورط مع نفسه في تناقض يتعذر حله ، لأنه انقسم شيعا متنافرة عجز عن استبعادها. وحتى لا يفني التنازع الطبقات الاجتماعية ذات المصالح الاقتصادية المتعارضة - وفي ذلك فناء لها وللمجتمع ذاته - تحتمت الحاجة إلى وجود سلطة تكون - في الظاهر- فوق المجتمع، ويكون واجبها أن تلطف الصراع وتحصر مجاله في الحدود التي تحفظ " النظام ". وهذه السلطة، التي هي وليدة المجتمع ، ولكنها تتخذ مرتبة أسمى من مرتبته وتغدو -تدريجيا- غريبة عنه ، هي الدولة . . .

    ولما كان ظهور الدولة ناشئا عن الحاجة إلى كبح التناقضات الطبقية، وكان هذا الظهور - قي الوقت ذاته - في خضم صراع الطبقات ، فان الدولة - عادة- هي دولة أقوى الطبقات ، أي دولة الطبقة المهيمنة اقتصاديا وهي الطبقة التي تغدو - بفضل الدولة- طبقة مسيطرة سياسيا أيضا، فتتوفر لها - على هذا النحو- وسائل جديدة تمكنها من قهر الطبقة المضطهدة واستغلالها ... وهكذا فان الدولة لم توجد منذ البدء، فقد وجدت مجتمعات تدبرت أمرها بمعزل عن الدولة فلم تكوّن أي فكرة عنها ولا عن سلطة الدولة. ولكن ، في طور معين من أطوار النمو الاقتصادي المرتبط -ضرورة- بانقسام المجتمع إلى طبقات ، صارت الدولة ضرورةً حتَّمها هذا الانقسام ذاته".

     --------------- 

     

     فريدريك إنجلز، "في  أصل العائلة والملكيّة الخاصة والدولة "


    تعليقك
  • حوار العقل والتجربة

     

    غاستون باشلار

    لا يمكن تأسيس العلوم الفيزيائية دون الدخول  في  حوار  فلسفي  بين العالم  العقلاني  والعالم التجريبي(...)، وبعبارة أخرى يحتاج عالم الفيزياء  المعاصر  ليقين مزدوج :  

    أولا: اليقين بوجود الواقع  في قبضة ما هو  عقلي، فيكون بدلك مستحقا لاسم الواقع .

    ثانيا: اليقين بأن الحجج العقلية المرتبطة بالتجربة هي من صميم لحظات هذه التجربة.

    وباختصار لا توجد عقلانية فارغة كما لا توجد اختبارية عمياء .هذان هما الإلزامان الفلسفيان اللذان 

    يؤسسان التركيب الدقيق والحثيث لكل  من النظرية والتجربة في الفيزياء المعاصرة. 

    إن هذا اليقين المزدوج أساسي بالنسبة للعالم الذي  يمكنه أن يقيم التجربة، كما يمكنه أن يشتغل بالرياضيات ولو في  غياب أحد الطرفين (أي العقل وتجربة)، إلا أنه لا يساهم بذلك في  النشاط العلمي للفيزياء المعاصرة . إن  هذا اليقين المزدوج لا يمكن أن يتحقق  إلا في إطار فلسفة لها نشاطان يمارسان عبر حوار دقيق  ووثيق بين العقل و الواقع، لدرجة أننا لا  نعتر  في هذا الحوار على أثر  لتلك الثنائية القديمة بين الفلاسفة )التجريبيين و العقلانيين(.إذ لم يعد الأمر يتعلق بمواجهة بين العقل معزول وعالم مستقل عن الذات.

     لقد أصبح المطلوب الآن أن يتموضع العالِم في  المركز بحيث يكون فيه العقل العارف مشروطا بموضوع معرفته... إننا نحاول بذلك أن نتموضع داخل  هدا المركز الذي تتجلى فيه عقلانية مُطبقة مع مادية  مَبنية.

    لا تتشكل العقلانية إذن (...) داخل  وعي معزول عن الواقع،كما أن المادية التقنية ليست على الاطلاق بواقعية فلسفية . فالمادية التقنية  تلائم  بشكل  أساسي واقعا مُحولا ومصححاً، واقعا يحمل  بامتياز طابعا  عقلانيا. 

     

     

     

                                           غاستون باشلار، العقلانية المطبقة، المنشورات الجامعية الفرنسية، 1949,ص9-3: 

    Gaston bachelard, le raltionalisme appliqé 


    تعليقك
  • الغيرية

     

    أوغست كونت

    "كل شيء فينا ينتمي للإنسانية، وكل شيء يأتينا منها:الحياة، والثروة، والموهبة، والمعارف، والحنان(...) وهكذا، فعندما تختزل النزعة الوضعية كل الأخلاق الإنسانية في فكرة واحدة هي أن يحيى الإنسان من أجل غيره، فان هذه النزعة تهدف إلى تهذيب الغريزة البشرية الكونية وتسييجها؛ بعد إن تم الارتقاء بالفكر النظري البشري وتتزاوج كل الترتيبات الذهنية اللاهوتية والميتافيزيقية(...) لا يمكن للإنسان الأكثر مهارة وفِطنة ونشاطا أن يرد للإنسانية ولو جزءا صغيرا مقابلة م تلقاه منها. يستمر الإنسان،كما كان في طفولته,يتغذى بالإنسانية، و يتلقى الحماية من الآخرين، ويطور قدراته داخلها(...) وذلك كله بفضل الإنسانية عليه(...) لكن وبدل أن يتلقى كل شيء منها بواسطة آبائه، تنقل الإنسانية له خيراتها عبر فاعلين متعددين غير مباشرين، لن يتعرف على الكثير منهم.

    أن يحيا الإنسان من أجل الغير يعني إذن، عند كل واحد منا واجبا ضروريا ومستمرا ينبثق عن هذه الواقعة المتعذر تجاوزها وهي: أن يحيا الإنسان بفضل الغير. إنها، وبدون حماس عاطفي، النتيجة الضرورية المستخلصة من تقدير دقيق لمجريات الواقع المدرك فلسفيا في مجموعه(...) علاوة على ذلك يجب أن يقوم انسجاما أخلاقيا، وبصفة جوهرية على الغيرية، فهي وحدها القادرة أن تزودنا بأعظم زخم الحياة. إن الكائنات البشرية المنحطة هي التي تطمح اليوم أن تحيى بفضل الغير يجب عليها أن تتخلى عن أنانيتها الهمجية. فإذا ما تذوقت هذه الكائنات بما فيه الكفاية ما تفضلت بتسميته ملذات الوفاء سيفهمون آنذاك أن الحياة من أجل الغير تمنح الوسيلة الوحيدة لتطوير كل الوجود البشري بحرية (...)

     

    وحدها دوافع التعاطف الإنسانية تصنع الانطلاقة الحقيقية الثابتة لحياة من أجل الغير، حياة يَجِد فيها كل واحد من الأفراد المجتمع مساعدة من طرف الآخرين، لكن ومقابل هذه المساعدة، يقوم هؤلاء بكبح ميولات الفرد الشخصية و الأنانية."

    أوغست كونت


    تعليقك
  • التجريب إنصات للطبيعة 

     

    كلود برنار

        على العالِم الذي يريد الإحاطة بمجموع مبادئ المنهج التجريبي أن يستوفي نظامين من الشروط ̨  وأن يتميز بخاصيتين فكريتين ̨  تعتبر كلها ضرورية لتحقيق هدفه والتوصل إلى الحقيقة العلمية̣  أولا̨  على العالم أن تكون لديه فكرة يخضعها للفحص في ضوء الوقائع̨  لكنه يكون مطالبا في نفس الوقت بالتأكد من أن الوقائع التي تمثل منطلقا لفحص فكرته هي وقائع صحيحة و منضمة̣  لهدا السبب عليه أن يكون ملاحظا و مجربا في نفس الوقت̣  ثانيا̨  إن الملاحظ يعاين فقط بساطة الظاهرة الماثلة أمامه̨  فهَمُّه الوحيد هو الحذر من الوقوع في أخطاء الملاحظة التي قد تؤدي به إلى إدراك غير كامل للظاهرة̨ أو إلى تعريفها تعريفا خاطئا̣  و لكي تكون معاينة الظاهرة معاينة سليمة يستخدم الملاحظ كالأدوات التي من شانها جعل ملاحظته للظاهرة ملاحظة أكثر شمولية̣ 

         على الملاحِظ أن يكون إذن̨  أثناء معاينته للظواهر بمثانة آلة تصوير تنقل بالضبط ما هو موجود في الطبيعة˸ حيث يجب أن يلاحظ بدون فكرة مسبقة̣، وعليه أن يصمت و ينصت إلى الطبيعة̨  و أن يسجل ما تمليه عليه̣  وبعد معاينة الواقعة و الملاحظة الجيدة للظاهرة̨  تبرز الفكرة و يتدخل الاستدلال العقلي̨  فيظهر المجرب لتفسير الظاهرة̣  أن العالم التجريبي هو الذي يستطيع بفضل تفسير محتمل و مسبق للظواهر الملاحظة̨  أن يؤسس التجربة بحيث تسمح بالتحقق من الفرضية (...)

        إن العالم المتكامل هو الذي يجمع بين الفكر النظري و الممارسة التجريبية عبر الخطوات التالية ˸ 

    1 – يعاين واقعة؛ 

    2 – ميلاد فكرة في دهنه تبعا للمعاينة؛ 

    3 – انطلاقا من هده الفكرة يستدل عليها و يلجا إلى التجربة بعد أن تصورها ذهنيا؛

    4 – تنتج عن التجربة ظواهر جديدة عليه أن يلاحظها و هكذا دواليك؛

    يشتغل دهن العالم ٬ادن٬ انطلاقا من هده الخطوات بين ملاحظتين٬ تمثل الأولى منطلق الاستدلال العلمي٬ و تمثل الثانية خلاصة الاستدلال(أي التجربة)

    كلورد برنار٬ المدخل لدراسة تطور الطب التجريبي٬ فلاماريون1984٬ ص˸51-55   

    Claude Bernard, Introduction à l’étude de la médecine expérimentale


    تعليقك
  •         الصداقة

     

      الصداقة

     

    إيمانويل كانط

          "إن الصداقة، في صورتها المثلى، هي اتحاد بين شخصين يتبادلان نفس مشاعر الحب والاحترام . ونرى بسهولة أن الصداقة عبارة عن "مثال" (Idéal ) للتعاطف و التواصل بين الناس، وغاية هذا المثال تحقيق خير الصديقين اللذين جمعت بينهما إرادة طيبة أخلاقية ، بالرغم من أن الصداقة لا تضمن سعادة الحياة .
         إن قَبـول هـذا المثال يجعلنا مؤهلين للبحث عن السعادة ما دامت الصداقة تمثل بالنسبة للإنسان واجبـا . هذا يعني أنه من السهل أن ننظر إلى الصداقـة باعتبارها فكـرة بسيطة ، يستحيل تحقيقها فعـلا. غير أن السير في اتجاه تحقيقها يشكل واجبا عقليا غير عادي ، و مع ذلك سيحقق هذا الواجب الخضوع له بكل احترام .
          كيف يمكن للإنسان في علاقته بقريبه أن يساوي بين العناصر المطلوب توفرها في واجب أخلاقي ما، فواجب الرعاية والعناية المتبادلة مثلا بين شخصين يفترض حضور نفس الإستعداد العقلي عند الطرفين معا(...) إن أحد الشخصين عندما يظهر حماسا في مشاعر الحب و الإحترام ، يصل في هذه الحالة إلى التوازن المطلوب للصداقة .
    لذلك ، يمكن تصور مشاعر الحب باعتبارها قوة جذب بين صديقين، و مشاعر الإحترام قوة دفع بينهما . و يتولد عن الحب تجاذب بين الصديقين ، ويتولد عن الإحترام تباعد بينهما .
          يمكن للملاحظات الآتية أن تثير انتباهنا إلى الصعوبات التي تواجهها الصداقة : فإذا تناولناها من جانبها الأخلاقي ، فواجب الصديق تنبيه صديقه إلى أخطائه متى ارتكبها ، لأن الأول يقوم بهذا التنبيه لأجل خير الثاني ، وهذا الواجب هو واجب حب الأول تجاه الثاني. بينما تشكل أخطاء الثاني تجاه الصديق الأول إخلالا بمبدأ الاحترام بينهما(...) لكن كيف لا نتمنى أن يكون لنا صديق في وقت الشدة! ألا نكون في هذا التمني نشعر بقيد يشدنا إلى قدر غيرنا ، فيضيف إلينا مشقة تحمل أعبائه . لا يجب إذن أن تقوم الصداقة على منافع مباشرة و متبادلة ، بل يجب أت تقوم على أساس أخلاقي خالص ." 

    ---------------

    إمانويل كانط : ميتافيزيقا الأخلاق
    Emmanuel Kant, Métaphysique des Mœurs
     

     

     


    تعليقك
  • التقدم التقني 

     ماركوز

         "قدم المنهج العلمي الذي مكننا من السيطرة على الطبيعة بفعالية متزايدة مفاهيم محضة و لكنه قدم أيضا مجموع الأدوات التي سهلت سيطرة الإنسان على الإنسان على نحو مطرد الفعالية من خلال السيطرة على الطبيعة فلقد أصبح العقل النظري رغم كونه يبقى محضا ومحايدا خادما للعقل العملي ولقد كان هذا الترابط مفيدا لكليهما أما اليوم فما تزال السيطرة قائمة وازدادت توسعا بفضل التكنلوجيا بما هي تبرر توسع السلطة السياسية واستيعابها لكل مجالات الثقافة.

     

    إن التكنلوجيا في هذا العالم تعقلن أيضا افتقار الإنسان للحرية وتقيم البرهان على أنه يستحيل تقنيا أن يكون الإنسان سيدا على نفسه و أن يحدد نمط حياته الخاصة وبالفعل فإن نقص الحرية لا يبدو واقعة لا عقلانية أو واقعة ذات صبغة سياسية وإنما يعبر بالأحرى عن أن الإنسان خاضع لجهاز تقني يزيد من رغد الحياة ويزيد من إنتاجية العمل. إن العقلانية التكنولوجية لا تضع مشروعية السيطرة موضع اتهام وإنما هي بالأحرى تحميها وأفق العقل الأداتي ينفتح على مجتمع كلياني عقلاني لقد اتخذت حركية التقدم التقني عل الدوام محتوى سياسيا ولقد أصبح لوغوس التقنية لوغوس العبودية المستديمة وقد كان في الإمكان أن تكون قوة التكنلوجيا قوة محررة بتحويل الأشياء إلى أدوات و لكنها أصبحت عقبة في وجه التحرر بتحويلها البشر إلى أدوات.

     ------------

     

    هربرت ماركوز: الإنسان ذو البعد الواحد 


    تعليقك
  • الإنسان حيوان ميتافيزيقي

       شوبنهور

         الإنسان حيوان ميتافيزيقي. ففي بدايات وعيه يبدو كائنا عقليا بلا جهد ولكن ذلك لن يدوم طويلا فمع أول تأمل ينتج الاندهاش الذي هو أب الميتافيزيقا... على هذا النحو يعني التفلسف القدرة على الاندهاش أمام الوقائع العادية وأمام ما هو يومي إنه التساؤل حول أكثر الأشياء عمومية وألفة... كلما كان الإنسان أقل عقلا كان الوجود أقل غرابة بالنسبة له والأشياء بالنسبة إليه تحمل في ذاتها الإجابة عن سؤال الكيف واللماذا وهو ما يرجع إلى أن ذهنه ما زال وفيا لطبيعته الأصلية إذ هو خزان الدوافع الموضوعية تحت تصرف إرادة مشدودة إلى العالم والطبيعة كجزء منها. الاندهاش الفلسفي الذي يحصل من الإحساس بهذه الثنائية إنما يقتضي وجود درجة راقية من العقل لدى الفرد على أن ذلك لا يمثل الشرط الوحيد وذلك لأن معرفة الأشياء والموت واعتبار الألم وبؤس الحياة هما اللذان يعطيان الدافع الأقوى للتفلسف والتفسير الميتافيزيقي للعالم. إذا ما كانت الحياة معروفة ودون ألم فإنه لا يمكن لأحد أن يتساءل لماذا يوجد العالم ؟ ولماذا له هذه الطبيعة المخصوصة ؟ ذلك أن كل الأشياء تصير مفهومة من تلقاء ذاتهــــــا.

     

    شوبنهاور: العالم بما هو إرادة و تمثل / مميزات الفيلسوف 

     

     


    1 تعليق
  • الفيلسوف مومياء

    نيتشه 

    تسألونني أن أتحدث إليكم عما هو خاصية ثابتة لدى الفلاسفة ؟ مثلا افتقادهم للحس التاريخي, حقدهم على فكرة الصيرورة نفسها. فهم يعتقدون أنهم يشرفون شيئا ما بنزع صفته التاريخية... جاعلين منه مومياء. إن كل ما اشتغل به الفلاسفة منذ ملايين السنين هو مومياءات من المفاهيم فلم يخرج من بين أيديهم حيا أي شيء من الواقع... إن الموت والتطور أو التغير هي بالنسبة لهم أشياء مرفوضة إن ما هو موجود ليس صائرا فهو غير موجود... و بحكم أنهم يعجزون عن إدراك " حقيقة الوجود " يبحثون عن مبررات لتفسير كونها تفلت منهم: يلزم أن يكون هنالك خداع حتى لا ندرك حقيقة الوجود. أين يكمن ما يخدعنا إذا...؟ عرفناه ـ يصيحون بذهول إنها الحواس. الحواس تضللنا بخصوص العالم الحقيقي. يجب أن نتحرر من وهم الحواس من الصيرورة من التاريخ، أن نقول لا لكل أولئك الذين يؤمنون بالحواس لبقية البشرية جمعاء. أن يكون الإنسان فيلسوفا هو أن يكون مومياء وأن لا يتحدث إلينا خصوصا عن الجسد الملطخ بكل الأخطاء الممكن تصورها.

     

    إن ما نفعله بشهادتها هو الذي يقحم فينا الافتراء. هو سبب تشويهنا لشهادة الحواس، ما دامت الحواس تكشف عن الصيرورة عن اللاثبات عن التحول فإنها لا تكذب... وحده العالم " الظاهر" هو الموجود وما العالم " الحقيقي " سوى كذب نضيفه إليه.

     ---------------

     

    فريدريك نيتشه:من كتابه أفول الأصنام

     


    تعليقك
  • الجينيالوجيا

     

    فريدريك نيتشه

    مهما يكن، يحسن بنا بصفتنا باحثين عن المعرفة، أن لا نكون جاحدين تجاه مثل هذه المحاولات التي تقلب آفاق النظر عاليها سافلها، فضلا عن قلبها للتقديرات الشائعة التي طالما جعلت الفكر يغتاظ من نفسه، دون فائدة تذكر و بصورة مستنكرة: لكن رؤية الأمور بصورة مغايرة، إرادة المرء في أن يرى الأمور على نحو آخر ليست علما بسيطا ساذجا، أو إعدادا ناقصا يهيأ الذهن لـ" موضوعيته " العتيدة ـ على أن تفهم هذه الموضوعية لا بمعنى " التأمل المجرد " ( فهذا لا معنى له إنه سخافة) بل بما هي ملكة تمكن الذهن من إبقاء ما له و ما عليه ضمن نطاق صلاحياته وتجعله يتصرف عند الحاجة على نحو يمكنه من استخدام هذا التنوع خدمة للمعرفة بما في ذلك آفاق النظر والتأويلات التي تشوبها الميول والأهواء.

     

    فلنلتزم من الآن فصاعدا جانب اليقظة والحذر، حضرات الفلاسفة، حيال تخريف بعض المفاهيم القديمة الخطيرة، هذا التخريف الذي ابتدع " ذاتا عارفة، ذاتا محضا، لا إرادة لها، ولا ألم، ولا تخضع لزمان " ولنحترس من أن تمسنا مجسات بعض المقولات المتناقضة, من نوع " العقل المحض " و" الروحانية المطلقة " و" المعرفة بذاتها ": فهنا يطالب البعض منا دائما أن نفكر بعين لا يمكن تخيلها على الإطلاق بعين ينبغي بأي ثمن أن لا يكون لنظرتها أي اتجاه بعين تكون وظائفها العملية والتفسيرية مقيدة أو غائبة والحال أنه ليس ثمة ما يوفر لفعل النظر موضوعه إلا هي. يطلب منا البعض أن تكون العين شيئا أخرق سخيفا بيد أنه ليس ثمة وجود إلا لرؤية من زاوية معينة لمعرفة من منظور معين و ذلك هو كمال الموضوعية.

     

     

    فريدريك نيتشه، في  جينيالوجيا الأخلاق 


    تعليقك
  • السؤال الفلسفي

     

    ألان جيرانفيل

     

         "تشكل الفلسفة بدون شك... رغبة في المعرفة و في الحكمة. و يمكن أن نقبل الفكرة التي تقول "إن الشخص الذي يطرح سؤالا فلسفيا ما يريد من وراء ذلك التوصل إلي المعرفة. و لكن سؤالا مثل" أين توجد المحطة؟" لا يبدو إجمالا سؤالا فلسفي ذلك لأن الممارسة الفلسفية بالفعل قصدية حاضرة في السؤال ذاته... و لا يمكن لأي سؤال أن يكون في ذاته فلسفيا بدون هذه القصدية... إن السؤال الفلسفي يفترض مسبقا شكا في الجواب باعتباره معرفة... إن السؤال الفلسفي الذي قلنا سابقا إنه يتخذ المعرفة كموضوع له يفترض في الواقع أن المعرفة مستحيلة أو على الأقل أن هناك معرفة مزعومة معرفة في الواقع ليست معرفة. والنتيجة هي أن السؤال الفلسفي باعتباره سؤالا لا يمكن أن يطرح على الشخص الذي يعرف أي على من يمتلك المعرفة. إن الفلسفة هي قبل كل شيء شك في امتلاك المعرفة... إن الإنسان الذي يطرح عليه السؤال الفلسفي هو ذاك الذي يعتقد أنه يمتلك المعرفة والسؤال الفلسفي يحطم هذا الاعتقاد البديهي. إن السؤال الفلسفي هو تساؤل و ليس مجرد سؤال. إن السؤال المنفرد لا يكفي وحده لكي يشكل سؤالا فلسفيا, إذ يجب على السؤال الفلسفي أن يكرر لا بمعنى تكرار نفس السؤال... بل بمعنى تكرار سؤال آخر ينتمي إلي نفس التساؤل الفلسفي.  

     

    ما هو الطابع العام للجواب الفلسفي ؟ يجب على هذا الطابع العام أن يصدر عما سبق قوله عن التساؤل الفلسفي. أولا يجب على الجواب أن يقدم ذاته كمعرفة ما دام موضوع السؤال الفلسفي هو المعرفة. بعد ذلك يجب أن يكون مرتبطا بالشك الذي يكون في الآن نفسه قبليا و شاملا على الدوام لكل ما سيقال, أي لهذه المعرفة التي سيحملها الجواب بالضبط. و أخيرا يجب أن يتمفصل بشكل دقيق و برهاني ما دام السؤال الفلسفي غير منعزل, و ما دام التساؤل الفلسفي يقتضي استعادته باستمرار حتى يتم التوصل إلى مبدأ أول. إن الطابع العام للجواب الفلسفي, إذا, هو أن يظهر في شكل ما يسمى عادة بالخطاب... و يجب أن نؤكد على أنه لا يمكن أن يوجد خطاب واحد بدون تنوع الخطابات الفلسفية... ولا يمكن لأي خطاب أن يكون منعزلا. إن الخطاب يحمل دائما إجابة ما. بهذا المعنى, لا يوجد خطاب فلسفي واحد, بل توجد خطابات فلسفية عديدة". 

     

    Alain Juranville « Lacan et la Philosophie »   P.U.F. p 56 / 57

     

     

     


    1 تعليق
  • طوماس هوبس         الاجتماع تعاقد إرادي

     

     

    ----------------------------------

    "إن البشر وهم ذوو ولع طبيعي بالحرية، وبممارسة الهيمنة على الغير، قد أوجبوا على أنفسهم حدودا يعيشون في كنفها داخل الجمهوريات التي أسسوها. وإذ سنوا هذه الحدود، جعلوا منتهى طموحهم وغاية سعيهم وهدف وجودهم أن يضمنوا بقاءهم الذاتي وأن يحيوا حياة أوفر سعادة بواسطة هذه الطريقة. فغايتهم، بعبارة أخرى، هي أن يتخلصوا من حالة الحرب المزرية، هي كما بينا نتيجة ضرورية للأهواء الطبيعية عندما لا توجد سلطة منظورة تخضعهم وتربط بينهم، وذلك خشية العقوبات وعملا بالمواثيق التي أبرموها.

    والسبيل الوحيد لإقامة هذا النوع من السلطة المشتركة، الكفيلة بالدفاع عن الناس من هجمات الغرباء، ووقايتهم من الأضرار التي قد يسببها بعضهم للبعض، والقادرة على حمايتهم بحيث تمكنهم مهارتهم ومنتوج أرضهم من أن يقتاتوا ويحيوا حياة رضية، هو أن يعهدوا بكل ما لهم من سلطة وقوة إلى رجل واحد أو إلى مجلس واحد حتى تصبح كل الإرادات الكثيرة، إرادة واحدة بواسطة قانون الأغلبية. وهذا يعني أن تختار المجموعة رجلا أو مجلسا من النواب للاضطلاع بشؤونها بصفتها شخصية معنوية، ولا بد أن يقر كل امرئ –إحساسا وإدراكا- بأنه هو مصدر الفعل في كل ما يقوم به من وقع تعيينه، وفي كل ما يمكن أن يأمر به في المسائل المتعلقة بالسلم والأمن المشترك، ولا بد بالتالي من أن يخضع كل امرئ إرادته وحكمه لإرادة هذا الرجل وهذا المجلس وحكمهما.

    وهذا أمر يتجاوز في عمقه مجرد الموافقة والإجماع لأنه يعني اتحادا حقيقيا تذوب فيه مجموعة الأفراد في ذات شخص واحد. إنه اتحاد ناشئ من ميثاق عقده كل فرد مع سائر الأفراد على نحو خاص وكأن كل امرئ يخاطب غيره بقوله: "إنني قد تنازلت له عن حقي في أن أسوس شؤوني بنفسي، شرط أن تتنازل مثلي عن حقك، وأن تقبل كل فعل صادر عن هذا الرجل أو عن هذا المجلس" 

    ----------------------

    Thomas Hobbes, le Léviathan, éd.Sirey, 1971, pp 171-173.

    · عن كتاب: "أنا أفكر"، المركز القومي البيداغوجي ، تونس، 1993، ص: 201

     

     


    تعليقك
  •       التنشئة الاجتماعية

    نص جي روشيه

     

             "إذا تمت تنشئة شخص ما ، فإنه يصبح من الوسط وينتمي إلى عائلة أو جماعة أو مؤسسة أو دين أو وطن . وبهذا المعنى فهو جزء منها وله مكانة فيها ... والانتماء إلى جماعة ما ، هو مشاطرة الفرد الأعضاء الآخرين قدرا من الأفكار أو السمات المشتركة. ليتعرف أناه من خلال "النحن" المكون من الجماعة، والانتماء أيضا هو أن يتقمص الأنا ذاك "النحن". بحيث يستقي منه جزئيا على الأقل هويته النفسية والاجتماعية ... يكون الشخص الذي تمت تنشئته في ثقافة معينة ومجتمع معين، قد نمى حاجيات فيزيولوجية وأذواقا وهيئات جسمية، تطلبت اشراطا لعضويته العصبية الفسيولوجية وجهازه الحسي الحركي ... وعلى المستوى الانفعالي لا نجد فقط أن التعبير عن العواطف موجه من طرف الأطر و القيود والعقوبات المتضمنة في ثقافة بل وحتى العواطف نفسها تخنق وتكبح وتقمع من طرف ثقافة و مجتمع ما ... وأخيرا تمدنا التنشئة الاجتماعية على المستوى الفكري بمقولات عقلية، وتمثلات وصور ومعارف وأفكار مسبقة وقوالب جاهزة، وباختصار طرق للتفكير لا يمكن للذكاء بدونا أن يتبلور وينمو وينتج ، وكذالك بالنسبة للذاكرة والمخيلة ؛ فباستيعاب عناصر الثقافة تنمو القدرات العقلية وتتمكن من خلق عناصر ثقافية جديدة . والنتيجة الطبيعية ...للتنشئة الاجتماعية هي إنتاج تطابق كاف في "طرق العمل والتفكير والإحساس"لدى كل عضو من الجماعة، وذلك ليتكيف كل شخص ويندمج مع تلك الجماعة من جهة ،ولتتمكن الجماعة من البقاء و الدوام من جهة أخرى ." 


    تعليقك
  •  سيجموند فرويد      الهو والأنا والأنا الأعلى

     

    "ثمة قول مأثور ينصح الإنسان بألاّ يخدم سيدين في آن واحد. و الأمر أدهى وأسوأ بكثير بالنسبة إلى الأنا المسكين إذ عليه أن يخدم ثلاثة أسياد قساة، وهو يجهد نفسه للتوفيق بين مطالبهم . وهذه المطالب متناقضة دوما، وكثيرا ما يبدو التوفيق بينها مستحيلا، فلا غرابة إذن أن يخفق الأنا غالبا في مهمته . وهؤلاء المستبدون الثلاثة هم العالم الخارجي والأنا الأعلى و الهو، وحين نعاين ما يبذله الأنا من جهود ليعدل بين الثلاثة معا، أو بالأحرى ليطيعهم جميعا، لا نندم على أننا جسمنا الأنا وأقررنا له بوجود مستقل بذاته ، إنه يشعر بأنه واقع تحت الضغط من نواح ثلاث، وأنه عرضة لثلاثة أخطار متباينة يرد عليها، في حال تضايقه ، بتوليد الحصر. وبما أنه ينشأ أصلا عن تجارب الإدراك ، فهو مدعوّ إلى تمثيل مطالب العالم الخارجي ، غير أنه يحرص مع ذلك على أن يبقى خادما وفيّا للهو، وأن يقيم وإياه على تفاهم ووفاق ، وأن ينزل في نظره منزلة الموضوع ، وأن يجتذب إليه طاقته الليبيدية. وكثيرا ما يرى نفسه مضطرا ، وهو الذي يتولى تأمين الاتصال بين الهو و الواقع ، إلى التستر على الأوامر اللاّشعورية الصادرة عن الهو بتبريرات قبل شعورية وإلى التخفيف من حدة المجابهة بين الهو والواقع ، وإلى سلوك طريق الرّيّاء ا لدبلوماسي و التظاهر باعتبار الواقع ، حتى وإن أبدى الهو تعنتا وجموحا. ومن جهة أخرى، فان الأنا الأعلى القاسي ما يفتأ يراقبه ويرصد حركاته ، ويفرض عليه قواعد معينة لسلوكه غير مكترث بالصعاب التي يقيمها في وجهه الهو والعالم الخارجي . وإن اتفق أن عصى الأنا أوامر الأنا الأعلى عاقبه هذا الأخير بما يفرضه عليه من مشاعر أليمة بالدونية والذنب . على هذا النحو يكافح الأنا، الواقع تحت ضغط الهو و الرازح تحت نير اضطهاد الأنا الأعلى والمصدود من قبل الواقع ، يكافح الإنجاز مهمته الإقتصادية و لإعادة الانسجام بين مختلف القوى الفاعلة فيه والمؤثرات الواقعة عليه . ومن هنا نفهم لماذا يجد الواحد منا نفسه مكرها في كثير من الأحيان على أن يهتف بينه وبين نفسه : " آه، ليست الحياة بسهلة ".

     ----------------

    فرو يد، في " محاضرات جديدة في التحليل النفسي"

     

     


    تعليقك
  • ميشيل فوكو                  السُّلطة   

       

               يقول " إذا كانت السلطة في ذاتها حصيلة علاقات قوة وليست نتيجة تنازل أو عقد أو تخليا ولا حصيلة علاقات اقتصادية، ألا يمكن تحليلها أولا وقبل كل شيء بمفاهيم المعركة والمواجهة والحرب؟ وهكذا لدينا في مقابل فرضية آلية السلطة القائمة على القمع، فرضية ثانية مفادها أن السلطة هي الحرب المستمرة بوسائل أخرى . وفي هذه الحالة فإننا نعكس مأثور كلوزوفيتش ونقول إن السياسة هي استمرار للحرب بوسائل أخرى. وهذا يعني ثلاثة أمور أساسية. أولا: علاقات السلطة كما هي ممارسة في مجتمع مثل مجتمعنا لها علاقة بالقوة في لحظة زمنية وتاريخية محددة، هذه العلاقة قائمة على الحرب وبالحرب. فإذا كان صحيحا أن السلطة السياسية تُوقف الحرب فهذا لا يعني أنها تتخلى أو تستبعد آثار الحرب، وإنما تعمل على تحييد عدم التوازن الظاهر في المعركة الأخيرة لحرب. إن للسلطة السياسية في هذه الفرضية دورا، هو إعادة تثبيث دائم لعلاقة القثوة هذه، وذلك بنوع من الحرب غير المعلنة أو الصامتة، تثبيتها في المؤسسات وفي التفاوت الاقتصادي وفي اللغة وفي أجساد البعض، وهذا هو المعنى الأولي لعملية قلب مأثور كلوزوفيتش السياسية هي استمرار الحرب بوسائل أخرى، بمعنى أن السياسة هي المعاقبة ومواصلة التفاوتات في القوة الظاهرة في الحرب أو الناتجة عن الحرب. ثانيا: إن فلب مأثور كلوزوفيتش يعني شيئا ثانيا هو أنه داخل هذا الذي يُسمى " السلم المدني " توجد الصراعات السياسية والمواجهات في السلطة وخارج السلطة ومن أجل السلطة وتحولات في علاقات القوة. إن قلب مأثور كلوزوفيتش يعني كذلك شيئا ثالثا وهو : أن القرار النهائي لا يأتي إلا من الحرب، أي امتحان أو اختيار للقوة حيث السلاح هو الحكم، بمعنى أن آخر معركة ، وفي نهاية المطاف فقط، هي ممارسة للسلطة بوصفها حربا مستمرة. 

    ترون إذن، أنه انطلاقا من اللحظة التي نحاول فيها إبراز المخطط الاقتصادي لتحليل السلطة، نجد أنفسنا مباشرة في مواجهة فرضيتين كبيرتين:

    أولا: آلية السلطة هي القمع، وهي الفرَضية التي يمكن أن نطلق عليها مجاز وليام رايش (الذي يعتبر أن أساس السلطة هو القمع)

     

    وثانيا: أن عمق علاقات السلطة هي المواجهة الشرسة للقوى، وهي الفرضية التي يمكن أن نسميها مجازا كذلك فرضية نيتشه. إن هاتين الفرضيتين ليستا فقط غير متصالحتين، بل بالعكس إنهما مترابطتين ومتشابهتين ظاهرا. أليس القمع أو بعبارة أخرى، ألا يعد القمع نتيجة سياسية للحرب مثله مثل الاضطهاد في النظرية الكلاسيكية للحق السياسي، حيث هو تعد وتجاوز للسيادة في النظام القانوني." 

    ------------

    ميشال فوكو، " يجب الدفاع عن المجتمع" دروس ألقيت في الكوليج دي فرانس، فرنسا، 1976  

     

    نقلا عن المقرر الفلسفي لدولة تونس: كتاب الفلسفة. الجزء الثاني 4 آداب ص: 105-106 


    تعليقك
  • رينه ديكارت        أنا أفكر إذن أنا موجود 

           "وهكذا فإني و لما رأيت أن حواسنا تخدعنا أحيانا، افترضت أنّ لا شيء هو في الواقع على الوجه الذي تصوره لنا الحواس . وكذلك لما وجدت أن هناك رجالا يخطئون في استدلالاتهم ، حتى في أبسط مسائل الهندسة، ويأتون فيها بالمغالطات ، وأني كنت عرضة للزلل في ذلك كغيري من الناس ، أعتبر باطلا كل استدلال كنت أحسبه من قبل برهانا صادقا. وأخيرا، لما لاحظت أن جميع الأفكار، التي تعرض لنا في اليقظة، قد ترد علينا في النوم ، من دون أن يكون واحد منها صحيحا، عزمت على أن أتظاهر بأن جميع الأمور التي دخلت عقلي لم تكن أصدق من ضلالات أحلامي . ولكني سرعان ما لاحظت ، وأنا أحاول على هذا المنوال أن أعتقد بطلان كل شيء، أنه يلزمني ضرورة، أنا صاحب هذا الاعتقاد، أن أكون شيئا من الأشياء. ولما رأيت أن هذه الحقيقة : أنا أفكر، إذن أنا موجود ، هي من الرسوخ بحيث لا تزعزعها فروض الريبيين مهما يكن فيها من شطط ، حكمت بأنني أستطيع مطمئنا أن أتخذها مبدأ أولا للفلسفة التي كنت أبحث عنها.

    ثم إني أمعنت النظر بانتباه في ما كنت عليه ، فرأيت أنني أستطيع أن أفرض أنه ليس لي أي جسم ، وأنه ليس هناك أي عالم ، ولا أي حيّز أشغله ، ولكنني لا أستطيع من أجل ذلك أن أفرض أنني غير موجود، لأن شكي في حقيقة الأشياء الأخرى يلزم عنه بضد ذلك ، لزوما بالغ البداهة و اليقين ، أن أكون موجودا ، في حين أنني ، لو وقفت عن التفكير، وكانت جميع متخيلاتي الباقية حقا، لما كان لي أي مسوغ للاعتقاد أنني موجود. فعرفت من ذلك أنني جوهر كل ماهيته أو طبيعته لا تقوم إلا على الفكر، ولا يحتاج في وجوده إلى أي مكان ، ولا يتعلق بأي شيء مادي ، بمعنى أن " الأنا " أي النفس التي أنا بها ما أنا، متميزة تمام التميز عن الجسم ، لا بل إن معرفتنا بها أسهل .

     ------------ 

    رينه ديكارت، في "مقال في المنهج"


    تعليقك


    تتبع مقالات هذا القسم
    تتبع تعليقات هذا القسم