-
كتبه farrakphilo بتاريخ 14 فبراير 2019 23:22
جريدة المساء في حوار مع الدكتور أحمد الفراك
س1: ما هي الدواعي والأسباب لاختيار موضوع الدراسة حول علاقة المسلمين بالغرب والتأسيس القرآني للمشترك الإنساني؟ وكم دام البحث؟
شكرا جزيلا للأستاذ رشيد على اختيار موضوع أطروحتي للدكتوراه أرضية للحوار على صفحات جريدة المساء مشكورة، وهو موضوع "علاقة المسلمين بالغرب والتأسيس القرآني للمشترك الإنساني".
أما بخصوص الدواعي لاختيار هذا العنوان فيمكن اختزالها في:
1- الرغبة في بحث موضوعٍ فلسفي يلامس مشكلات يعيشها الناس اليوم ولها علاقة باعتقاداتهم وتصوراتهم وأحكامهم وتمتد قضاياها من الفكر إلى جميع مجالات الواقع؛ التربوية منها والاجتماعية والعلمية والاقتصادية والسياسية وغيرها، ويحملونها معهم إلى المستقبل. فكان أن التقت هذه الرغبة المتصلة بمشكلة مع فتح تكوين للدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة بني ملال، ولا زلت أتذكر اليوم الذي سمعتُ فيه خبر الإعلان عن هذا التكوين وقد كنتُ يومذاك راجعا من مدينة مراكش حيث وضعت ملف التسجيل في سلك الدكتوراه بشعبة الفلسفة في كلية الآداب بمدينة مراكش في موضوع يتمحور حول حضور المنطق في اللغة العربية.
2- العلاقة التي تربط المسلمين بالغرب مثقلة بآثار الصدام التاريخي بينهما، مع ما كان يتخللها من علاقات تلامس وتواصل، إلا أنها تجر معها أزمة مركبةً تنبئ من جهة عن عمق التفاعل سلبا وإيجابا بين الحضارتين، وعن كون المشكلات الدينية والثقافية بينهما ناجمة عن وجود التلاقي والتشابه في الأصل، وليس عن الاختلاف الحاد أو التناقض. ومن جهة أخرى تكشف عن وجود اختلالات منهجية ومعرفية عميقة عند الطرفين، تجد أثر هذه الاختلالات في جميع الحقول وعلى كل المستويات، وهي تزداد في الاتساع مع مرور الزمن وتطور التقنية وتسارع الأحداث وتداخل المصالح، مما يستدعي معالجة جديدة لهذه المشكلات تستحضر الواقع المتحول الذي تعيشه لإنسانية اليوم وتستشرفه في المستقبل، وتركز على المشترك الإنساني الذي يُغني التفكير الإنساني ويوفر السند الفلسفي النظري للمضي قدما نحو التكامل والتعاضد بين بني الإنسان.
س2 : ما هو "الغرب" الذي تقصدونه في دراساتكم ؟ هل الغرب الحضاري أم الغرب التاريخي؟ أم الغرب المتخيل؟
معلوم أن مفهوم "الغرب" المعاصر اليوم لا تحمله المعاجم اللغوية والاصطلاحية، لكونها تقتصر على الدلالات الجغرافية والاجتماعية المتداولة في الماضي، ونحن نقصد الغرب المعاصر لنا اليوم بوصفه نظاما معرفيا تتداخل فيه العقيدة والفكر والثقافة بالفلسفة والقانون والجغرافيا. وهو مفهوم تطور بشكل ملحوظ تبعا لتغير موازين القوى في العالم، وتبدُّل النماذج الحضارية. أي أن المفهوم رحل من معناه الجغرافي إلى معنى ثقافي وإيديولوجي جديد، غير مرتبط بمنطقة جغرافية معينة كما كان عليه الحال في السابق. وإن كان لم يمتثل أبدا للمعنى الجغرافي الذي يوحي به، فقد راهن منذ البدء على المقاصد الثقافية والسياسية والدينية، ومن ثم أثبت مجموعة من الصفات والخصائص العرقية والحضارية والدينية على أنها ركائز قارة، تشكل أسس هويته.
فلا يمكننا الحديث عن صورة موحدة ونمطية تنسحب على الغرب برمته، وإن تشكلت الصورة العامة عن المسلمين عبر تراكم جملة من التجارب والأحداث والمواقف التاريخية التي يحملها التراث الديني والاستشراق الغربي عنهم باعتبارهم مخالفين دينيًا، وما تكرس من خلال القراءات المتعددة للتعارف والتبادل الذي وقع بين المسلمين وغيرهم بالأندلس، وزيارات الوفود المسيحية إلى القدس، ودخول صقلية سنة 1060م، وطليطلة سنة 1085م، واحتلال القدس سنة 1099م، وقد أدى هذا الالتقاء المباشر إلى تكوين رؤية معرفية غربية توارثها العقل الغربي إلى اليوم، وإن كانت هذه الرؤية متعددة الأبعاد؛ منها ما هو واقعي مستشف من ممارسات فعلية لبعض المسلمين أو من كتاباتهم، ومنها ما هو في الغالب من استصناع البراغماتية اللاهوتية التي تتوسل بمنهجية انتقائية متحيزة، هدفها أن تُبعد الناس عن التأثر بدين المسلمين وقيمهم ومعرفتهم.
س3 : حاولتم في دراستكم أن تنهلوا من أكثر من حقل معرفي، و أكثر من اتجاه منهجي، النقدي و المقارن والتفكيكي و التحليلي...كيف تمكنتم من التوفيق بين المناهج ؟
بخصوص المنهج المتبع في إعداد الأطروحة فقد اقتضت طبيعة البحث وموضوعه الجمع بين عدة مناهج:
1- منهج تحليلي: يعطي الأولوية للأنساق المعرفية، ويعمل على تحليل النصوص والمعطيات العلمية والمواقف الفكرية والاجتهادات التاريخية، وإعادة تركيب عناصرها بشكل يخدم أطروحة البحث ويجيب عن أسئلتها.
2- منهج تاريخي: يستحضر السياقات التاريخية لإنتاج المعرفة وتطورها، سواء في تاريخ المسلمين أو في تاريخ الغرب، ذلك أن المعرفة تبنى عبر مراحل زمنية مختلفة يؤثر السابق فيها في اللاحق، وهو ما يُسعفنا في استيعاب إشكالات الواقع الحالي عبر إرجاعها إلى جذورها وأسبابها التاريخية، وتوقع اتجاهاتها في استشراف المستقبل. فالمنهج التاريخي عموما يساعد على حل مشكلات معاصرة على ضوء خبرات الماضي.
3- منهج نقدي: يروم الاعتماد على نقد منهجي ومعرفي للمعرفة الشائعة في الفكر الإسلامي من جهة وفي الفكر الغربي من جهة ثانية، سواء كانت معرفة فقهية أو فلسفية مادامت لا تمثل في النهاية سوى اجتهادات بشرية حول النص أو حول النفس أو حول الكون، وعدم التسليم بالأحكام والمسلمات المنهجية والمعرفية إلا بعد إعادة فحصها، وهذا يقتضي الجمع بين المراجعة والتقويم والاستدراك والنقد والاعتراض والتجاوز.
4- منهج مقارن: يعمل على تتبع المجالين الثقافيين؛ المسلمون والغرب، ورصد القيم المشتركة نظريا في النصوص المؤسسة للرؤيتين المعرفيتين، وعمليا في حياة الناس وتصرفاتهم، وكشف علاقة السلوك التاريخي بالمبادئ الموجِّهة، وكذا العوائق التي حالت دون تجسيد تلك الأصول في الواقع التاريخي.
س4: كيف تعاملتم مع مسألة المراجع؟ هل هناك وفرة أم ندرة؟ وهل استعنتم بالمراجع الأجنبية وبلغات أخرى غير العربية؟
تنوعت مراجع البحث بتنوُّع الأسئلة التي تطرحها إشكاليته، فسؤال المشترك الديني بين المسلمين وغيرهم يستوجب البحث في النصوص المؤسسة للدين بدءا من القرآن الكريم وأمهات التفاسير، وكتب الصحاح والسنن والمساند في الحديث النبوي، والكتاب المقدس، والشروح المتصلة به، وفلسفة الدين. وسؤال المشترك العلمي يفرض الاطلاع على كتب فلسفات العلوم وتاريخ العلوم ومناهج العلوم عند المسلمين وغيرهم، والمشترك العمراني يتطلب الاطلاع على مؤلفات كثيرة في العمران البشري وعلم الاجتماع وتاريخ الحضارة، وسؤال المشترك البيئي الطبيعي يحتاج جوابه إلى الاطلاع على كتب وتقارير وإنجازات الأشخاص والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية المهتمة بالبيئة في العالم.
بالإضافة إلى ذلك استفدت من مؤلفات فلاسفة وعلماء ومفكرين عرب ومسلمين يصعب عدهم، أذكر منهم: طه عبد الرحمن، علال الفاسي، محمد عزيز الحبابي، روجي غارودي، علي عزت بيغوفيتش، عبد السلام ياسين، زيغريد هونكه، عبد الوهاب المسيري، مالك بن نبي، إدوارد سعيد، محمد الغزالي، محمد اعمارة، اسماعيل الفاروقي، مراد هوفمان، عبد المجيد النجار، محمد عابد الجابري، عبد الله العروي، عبد المجيد الصغير، حسن حنفي، عبد الإله بلقزيز، طه جابر العلواني، حمو النقاري، سعيد شبار، محماد رفيع، إدريس مقبول... وغيرهم من الفلاسفة والمفكرين مثل إريك فايل، إيمانويل كانط، سيرج لاتوش، أوغست كونت، هانس كوكلر، توشيهيكو إيزتسو، جون هيك، برتراند راسل، برنار لويس، إرنست رينان، جون بيير فرنان، فريدريك هيجل، غاستون باشلار، ميشيل فوكو، إدغار موران، جول راولز، صمويل هنتغتون، فرنسيس فوكوياما، ...الخ، كما اطلعت على مؤلفات ومقالات وتسجيلات كثيرة تناولت قضايا "الإسلام والغرب" أو "المسلمون والغرب" أو "حوار الأديان" أو "حوار الحضارات" أو "تعارف الحضارات"...
س5 : ما رأيكم في الدراسات التي تناولت مسألة الإسلام و الغرب؟ وهل أجابت عن سؤال طبيعة العلاقة بين الجانبين بل وحتى استشراف مستقبلها؟
يلاحظ المهتم بالموضوع أن هناك كتابات لامست كنه المشكلات إلا أنها قليلة جدا مقارنة مع أغلب الكتابات التي كانت عاطفية وسطحية. وفيما يتعلق بالمراجع غير العربية أقصد بالإنجليزية والفرنسية لا تكاد تعثر فيها على مؤلف يختص بمعالجة قضية المشترك الإنساني، أو يعالج العلاقة بين المسلمين والغرب في ضوء المشتركات الكبرى بينهما، إلا أن تكون بعض الدراسات المستعجلة أو المقالات أو الإشارات المتفرقة هنا وهناك، وقد اعتمدت على بعضها وذكرت ذلك في متن البحث. وإن كانت أغلب الدراسات لا تؤسس للمشترك إلا في بعض الجوانب الثقافية والسوسيولوجية والأنثروبولوجية بعيدا عن الأسس الكلية التي نسعى إلى كشفها.
وباللغة العربية لحد إنهاء البحث لم نعثر على دراسة جامعة ومفصلة لموضوع المشترك الإنساني بأبعاده الدينية والعلمية والعمرانية والبيئية، ونأمل أن يكون بحثنا هذا إسهاما متواضعا في سبيل التأسيس المنهجي والمعرفي العميق لهاته النظرية، والتقعيد العلمي لها. إلى جانب الجهود التي يبذلها العديد من الباحثين ومراكز البحث التي وصلتنا في شكل مقالات ودراسات في دوريات ومجلات مختلفة ومواقع إلكترونية، أذكرها في هوامش البحث، وبين مراجعه.
س6 : ما هو المشترك الجامع بين الإسلام / الحضارة الإسلامية وبين الغرب ؟
لا شك أن العالم مؤلف من ثقافات مختلفة، إلا أن تعددها ينبئ عن وحدتها الأصلية، ولا يمنع من إيجاد قواسم مشتركة كبرى يلتقي فيها كل بني الإنسان على اختلاف عوائدهم وعاداتهم، وأقوالهم وأفعالهم، وتتلاقح فيها حضارتهم وتتكامل ثقافاتهم، وتلتقي مصالحهم ويحصل التعارف والتعايش والتعاون. وبهذه القواسم نتحدث عن الحضارة الإنسانية المشتركة التي تؤسسها الأصول الدينية والعلمية والطبيعية والعمرانية، وما تحمله من قيم كونية خالدة خلود الحياة الإنسانية على الأرض. ويعد الدين في كُلياته الكبرى ومقاصده العليا أهم الأسس التي يقوم عليها المشترك بين المسلمين والغرب، فهو شجرة واحدة ممتدة جذورها عبر السلسلة النورانية النبوية إلى مرحلة ختم الرسالات، وترتكز فلسفة الدين أساسا على مبدأ التوحيد، وهو المبدأ العقدي والمعرفي والسلوكي والعمراني الذي جاء به جميع الأنبياء ودعوا أقوامهم لفهمه والعمل بمقتضياته، وقدموا لهم الأسوة مِن أنفسهم ومَن معهم مِن الأصحاب والحواريين والأتباع، فكان الأنبياء إخوة يؤسسون لحضارةِ الأخوة. أما الذين يصرحون بأنه لا دين لهم فهم قلة في العالم من جهة ولا يضرهم الدين في كلياته من جهة ثانية لأنه ليس مذهبا نقصد وإنما كليات الرسائل الإلهية التي لا تختلف فيها المِلل بتعبير الشاطبي رحمه الله. إضافة إلى أن المعرفة التي أنتجتها العلوم الطبيعية في مختلف تخصصاتها وخصائصها هي "مشترك إنساني عام، وذلك لأن مناهجها تحاول أن تتحقق بالحياد العلمي، ولأن التجربة الملموسة بالحواس المادية عموما هي السبيل لاكتشاف "حقائق" هذه العلوم، التي هي بنت الدليل، والدليل لا يختلف باختلاف مذاهب وعقائد وأجناس وفلسفات المكتشفين والباحثين. وقس على ذلك المشترك الطبيعي والحضاري والبيئي والفني...
س7 : في مقابل صراع الحضارات النظرية الهنتكتونية هل يمكن القول بحوار الحضارات ؟ وكيف السبيل إلى ذلك؟
نظرية صراع الحضارات قديمة في التاريخ، وقد أججها في النصف الثاني من القرن العشرين المستشرق الأمريكي برنار لويس في مؤلفاته ورسائله وتقاريره التي كان يقدمها إلى الدبلوماسية الغربية عموما والأمريكية خصوصا، والتي رسم من فيها صورة سوداوية عن دين الإسلام وتاريخ المسلمين ونواياهم المستقبلية، ومنها استقى صمويل هنتغتون نظرته العدائية لحضارة الإسلام، وبالتالي تحريض الغرب لنهج سياسات تحاصر المسلمين وتُشتت جمعهم وتُضعف قوتهم. وهي نظرية يمكن نقدها وتجاوزها بإعداد الأنموذج الحي على مستوى التصور المرجعي للمسلمين أولا، والذي ينبغي أن يواتي اللحظة التي نعيشها في العالم وليست تلك التي محاها الزمن أو أرادنا، ثم على مستوى الإنجاز الحضاري العملي ثانيا.
س8 : ما هي معالم نظرية المشترك الإنساني التي أسس لها القرآن الكريم؟
اقتنعنا بأن تجاوز الأزمة المركبة التي يعيشها المسلمون اليوم وإصلاح المواجع التي خلفتها بغية تحقيق الإصلاح في المنهج والمعرفة والواقع، والانتصار لحضارة المشترك الإنساني لا يتم إلا من خلال إصلاح جذري للنظام الفكري للعقل المسلم أولاً، والتخلص من آفات التقليد والاستتباع، وحيث تعاني ثقافة المسلمين من جملة اختلالات أقعدتهم عن إقامة أنموذج معرفي يستقيم فيه النظر على جادة المنهاج القرآني النبوي بخصائصه العالمية والشمولية والغائية والتكاميلة والاستيعابية والوسطية. وبتربية العقل المسلم التربية الشاملة والعميقة يُسهم المسلمون من جهة خيريتهم في تأسيس حضارة المشترك الإنساني، باعتبارها الحضارة الوارثة للإنجازات. وليست حضارات الصراع التي تؤججها فلسفات الكراهية الآيلة إلى زوال. وهذا يتطلب اجتهادا تجديديا جماعيا وشاملا، عبر عملية نقدية ضرورية لكل ما وَصَلَنا مِن تراثنا أو من تراث غيرنا، ومراجعة منهاجية تعيد ترتيب أولويات التفكير والإنجاز من جديد في ضوء المستجدات الحياتية الواقعة والمستقبلية، من خلال مقومات مجالنا التداولي.
أثناء هذا العملية نجد أن مشروع المشترك الإنساني ينسجم تماما مع الاهتداء بالقرآن الكريم المنـزل مِن لدُن حكيمٍ عليمٍ بمَن خلَق وبما يصلح لهذا الخلق. فهو كتاب عالمي بخطابه وموضوعاته ومقاصده، وهو برهان وفرقان به يتميز الحق من الباطل والخير من الشر، والإنسان مخلوق يتفاعل مع جميع القيم الثقافية والأنساق الحضارية، ليُقومها ويتمم مكارم أخلاقها، ومع جميع المناهج المعرفية، ليستوعبها ويصححها ليسمو بها. فهو خاتم الرسالات والمهيمن عليها هيمنة تصحيحية إتمامية، الذي هو توحيد الله والتخلق بقيم الهدى ودين الحق في إطار الأصل الآدمي والحنفية الإبراهيمية، وليست هيمنة إلغائية أو إقصائية. والتاريخ شاهد على أن رسالة القرآن الخالدة تحتضن التفاعل الأكبر بين الأجناس والأعراق والشعوب والأمم، وقادرة على استيعاب قضايا العالمين وتقديم الأنموذج الناجح، الذي يرتبط نجاحه بالتركيز على الأسس المشتركة بين الإنسانية والاعتراف بتكامل الثقافات وتداخلها وتنوع عناصرها.
ومعالم هذه النظرية تستشف أكثر من خلال الاطلاع على البحث.
س 9: كيف تقيمون مستوى مادة الفلسفة بالمغرب: تعليما و ثقافة؟ ثم واقع البحث العلمي بالمغرب؟
الفلسفة عموما تشغيل للعقل وتحريض له على السؤال والنظر والنقد والحوار، والتفلسف فعل تدليلي لا يقبل الخطابات التضليلية والتغليطية الائتمارية التي تتسلط على الإنسان وتسحبه إلى التولي والجمود، والدرس الفلسفي هو مجموع إجراءات تنظم خبرات ومعارف وتقنيات معينة بجهد ذهني ينطلق من حصة الفصل والمحاضرة لإثارة إشكالات وشرح مفاهيم وتحليل مواقف ونقد أطروحات وبناء معارف. ثم يمتد إلى خارج الفصل ليسائل الواقع والحياة والكون، سؤال الجدوى والفاعلية والغاية، فيمحص المعرفة الشائعة وينتقد فساد الاستدلال ويدفع الحجة بالحجة…ويرتكز على منطق التساؤل والاستبصار والاعتبار والنقد والمراجعة.
وأخطر ما يهدد التفلسف في واقعنا العربي والإسلامي هو طغيان الإيديولوجيا على المعرفة، وسيطرة النزعات الصبيانية على الدرس الفلسفي، والسبب في ذلك في نظري هو عدوى اللائكية الفرنسية أو قل الدهرانية التي فصلت الأخلاق عن الحياة وعن الدين، وصورت للناس باطلا أن الدين والفلسفة لا يلتقيان، وأن التدين والتفلسف لا يجتمعان.
وأخيرا كما سبق أن قلت "الدرس الفلسفي يرتبط في جانب كبير منه بالأستاذ وبالفضاء العام، فإذا كان الأستاذ واعيا بخطورة وجسامة مسؤوليته، قائما بمهمته عن جدارة، وكان الفضاء العام يسمح بحرية التفكير والتعبير والسلوك فسيُجدي الدرس ويُثمر. أما إذا تقاعس المُـدرس أو استعلى، وساد الخوف من التفكير ومحاربة المعرفة وقمع السؤال واختطاف الحقيقة، وتلقين التاريخ على أنه مطلق. فسلام على الفلسفة المُبدعة الناقدة".
س10: لفت انتباهي تنويه وشكر للدكتور طه جابر العلواني رحمه باعتباره ساعدكم في بلورة كيف إشكالية الموضوع كيف ذلك؟ وما تقييمكم لتجربته في المعهد العالمي لكفر الإسلامية/ وأطروحة إسلامية المعرفة؟
بالفعل تبادلت مع الدكتور طه جابر العلواني رحمه الله رسائل كثيرة تهم بعض قضايا البحث العلمي، ويرجع إليه الفضل في اقتراح بعض مفردات مشروع هذا البحث ومواكبته في مراحله الأولى، ولما انتهيت وناقشت الأطروحة سُرَّ بذلك وهنأني بحرارة، وطلب مني أن أحتفظ له بنسخة بعد طبعه، إلا أن دار النشر والتي هي المعهد العالمي للفكر الإسلامي تأخرت كعادتها في إخراج المخطوط كتاباً رغم الموافقة على طبعه قبل ثلاث سنوات والتعاقد قبل سنتين. حتى توفي العلواني رحمه الله ولا يزال البحث في عهدة المعهد العالمي الذي لا يسر فعله هذه السنوات الأخيرة وخاصة مع ذهاب الرواد الأوائل، ورحم الله الدكتور اسماعيل راجي الفاروقي.
أما أطروحة إسلامية المعرفة فقد قدمت خيرا كثيرا للباحثين في الفكر الإسلامي، ولا ينكر هذا الخير إلا مكابر أو جاهل بتلك الإنجازات العلمية والفكرية والثقافية الكثيرة. غير أنها لا تكفي لتكون مدخلا وحيدا لتغيير ما بالأمة أو تجديد دين الإسلام أو إعادة تشكيل العقل المسلم عبر "أسلمة" ما ينتجه الآخرون ومواءمته مع ما عند المسلمين.
س11: ما هي الصعوبات التي واجهتكم أثناء مرحلة الإعداد للأطروحة؟ وما هي مشاريعكم المستقبلية؟
لا يوجد بحث علمي من غير صعوبات تعترضه، وهي نفسها قد ترتد محفزات لمواصلة البحث ومكابدة مشاقه. أما عن بعض المشاريع المستقبلية القريبة فيمكن الحديث عن مشروعين متكاملين هما:
1- مشروع تعميق النظر في سؤال تجديد الفكر الإسلامي العربي من خلال مدرسة أستاذي الفيلسوف طه عبد الرحمن الذي أثل نظرية علمية جديدة تعيد الاعتبار للمنهج وللإنسان وللأخلاق، وتساعد الباحث والمفكر على امتلاك آليات التفكير النقدي والإبداعي الذي لا يجمد على المعارف الموروثة ولا المعارف المنقولة بل ينهض إلى مضاهاتها والإتيان بما يمكن أن يستوعبها ويتجاوزها.
2- مشروع الاهتمام بمبحث نظري منهجي في المنطق المعاصر يدعى التفكير النقدي، نحاول تقريبه إلى الطلبة والطالبات لتجديد وتجويد طرائق التفكير من جهة، والإسهام في تطوير هذا الفرع من المنطق من جهة ثانية. إن شاء الله.
2 تعليقات -
كتبه farrakphilo بتاريخ 14 فبراير 2019 22:59
جريدة المساء في حوار مع الأستاذ أحمد الفراك
س1: ما هي الدواعي والأسباب لاختيار موضوع الدراسة حول علاقة المسلمين بالغرب والتأسيس القرآني للمشترك الإنساني؟ وكم دام البحث؟
بسم الله الرحمن الرحيم
شكرا جزيلا للأستاذ رشيد على اختيار موضوع أطروحتي للدكتوراه أرضية للحوار على صفحات جريدة المساء مشكورة، وهو موضوع "علاقة المسلمين بالغرب والتأسيس القرآني للمشترك الإنساني".
أما بخصوص الدواعي لاختيار هذا العنوان فيمكن اختزالها في:
1- الرغبة في بحث موضوعٍ فلسفي يلامس مشكلات يعيشها الناس اليوم ولها علاقة باعتقاداتهم وتصوراتهم وأحكامهم وتمتد قضاياها من الفكر إلى جميع مجالات الواقع؛ التربوية منها والاجتماعية والعلمية والاقتصادية والسياسية وغيرها، ويحملونها معهم إلى المستقبل. فكان أن التقت هذه الرغبة المتصلة بمشكلة مع فتح تكوين للدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة بني ملال، ولا زلت أتذكر اليوم الذي سمعتُ فيه خبر الإعلان عن هذا التكوين وقد كنتُ يومذاك راجعا من مدينة مراكش حيث وضعت ملف التسجيل في سلك الدكتوراه بشعبة الفلسفة في كلية الآداب بمدينة مراكش في موضوع يتمحور حول حضور المنطق في اللغة العربية.
2- العلاقة التي تربط المسلمين بالغرب مثقلة بآثار الصدام التاريخي بينهما، مع ما كان يتخللها من علاقات تلامس وتواصل، إلا أنها تجر معها أزمة مركبةً تنبئ من جهة عن عمق التفاعل سلبا وإيجابا بين الحضارتين، وعن كون المشكلات الدينية والثقافية بينهما ناجمة عن وجود التلاقي والتشابه في الأصل، وليس عن الاختلاف الحاد أو التناقض. ومن جهة أخرى تكشف عن وجود اختلالات منهجية ومعرفية عميقة عند الطرفين، تجد أثر هذه الاختلالات في جميع الحقول وعلى كل المستويات، وهي تزداد في الاتساع مع مرور الزمن وتطور التقنية وتسارع الأحداث وتداخل المصالح، مما يستدعي معالجة جديدة لهذه المشكلات تستحضر الواقع المتحول الذي تعيشه لإنسانية اليوم وتستشرفه في المستقبل، وتركز على المشترك الإنساني الذي يُغني التفكير الإنساني ويوفر السند الفلسفي النظري للمضي قدما نحو التكامل والتعاضد بين بني الإنسان.
س2 : ما هو "الغرب" الذي تقصدونه في دراساتكم ؟ هل الغرب الحضاري أم الغرب التاريخي؟ أم الغرب المتخيل؟
معلوم أن مفهوم "الغرب" المعاصر اليوم لا تحمله المعاجم اللغوية والاصطلاحية، لكونها تقتصر على الدلالات الجغرافية والاجتماعية المتداولة في الماضي، ونحن نقصد الغرب المعاصر لنا اليوم بوصفه نظاما معرفيا تتداخل فيه العقيدة والفكر والثقافة بالفلسفة والقانون والجغرافيا. وهو مفهوم تطور بشكل ملحوظ تبعا لتغير موازين القوى في العالم، وتبدُّل النماذج الحضارية. أي أن المفهوم رحل من معناه الجغرافي إلى معنى ثقافي وإيديولوجي جديد، غير مرتبط بمنطقة جغرافية معينة كما كان عليه الحال في السابق. وإن كان لم يمتثل أبدا للمعنى الجغرافي الذي يوحي به، فقد راهن منذ البدء على المقاصد الثقافية والسياسية والدينية، ومن ثم أثبت مجموعة من الصفات والخصائص العرقية والحضارية والدينية على أنها ركائز قارة، تشكل أسس هويته.
فلا يمكننا الحديث عن صورة موحدة ونمطية تنسحب على الغرب برمته، وإن تشكلت الصورة العامة عن المسلمين عبر تراكم جملة من التجارب والأحداث والمواقف التاريخية التي يحملها التراث الديني والاستشراق الغربي عنهم باعتبارهم مخالفين دينيًا، وما تكرس من خلال القراءات المتعددة للتعارف والتبادل الذي وقع بين المسلمين وغيرهم بالأندلس، وزيارات الوفود المسيحية إلى القدس، ودخول صقلية سنة 1060م، وطليطلة سنة 1085م، واحتلال القدس سنة 1099م، وقد أدى هذا الالتقاء المباشر إلى تكوين رؤية معرفية غربية توارثها العقل الغربي إلى اليوم، وإن كانت هذه الرؤية متعددة الأبعاد؛ منها ما هو واقعي مستشف من ممارسات فعلية لبعض المسلمين أو من كتاباتهم، ومنها ما هو في الغالب من استصناع البراغماتية اللاهوتية التي تتوسل بمنهجية انتقائية متحيزة، هدفها أن تُبعد الناس عن التأثر بدين المسلمين وقيمهم ومعرفتهم.
س3 : حاولتم في دراستكم أن تنهلوا من أكثر من حقل معرفي، و أكثر من اتجاه منهجي، النقدي و المقارن والتفكيكي و التحليلي...كيف تمكنتم من التوفيق بين المناهج ؟
بخصوص المنهج المتبع في إعداد الأطروحة فقد اقتضت طبيعة البحث وموضوعه الجمع بين عدة مناهج:
1- منهج تحليلي: يعطي الأولوية للأنساق المعرفية، ويعمل على تحليل النصوص والمعطيات العلمية والمواقف الفكرية والاجتهادات التاريخية، وإعادة تركيب عناصرها بشكل يخدم أطروحة البحث ويجيب عن أسئلتها.
2- منهج تاريخي: يستحضر السياقات التاريخية لإنتاج المعرفة وتطورها، سواء في تاريخ المسلمين أو في تاريخ الغرب، ذلك أن المعرفة تبنى عبر مراحل زمنية مختلفة يؤثر السابق فيها في اللاحق، وهو ما يُسعفنا في استيعاب إشكالات الواقع الحالي عبر إرجاعها إلى جذورها وأسبابها التاريخية، وتوقع اتجاهاتها في استشراف المستقبل. فالمنهج التاريخي عموما يساعد على حل مشكلات معاصرة على ضوء خبرات الماضي.
3- منهج نقدي: يروم الاعتماد على نقد منهجي ومعرفي للمعرفة الشائعة في الفكر الإسلامي من جهة وفي الفكر الغربي من جهة ثانية، سواء كانت معرفة فقهية أو فلسفية مادامت لا تمثل في النهاية سوى اجتهادات بشرية حول النص أو حول النفس أو حول الكون، وعدم التسليم بالأحكام والمسلمات المنهجية والمعرفية إلا بعد إعادة فحصها، وهذا يقتضي الجمع بين المراجعة والتقويم والاستدراك والنقد والاعتراض والتجاوز.
4- منهج مقارن: يعمل على تتبع المجالين الثقافيين؛ المسلمون والغرب، ورصد القيم المشتركة نظريا في النصوص المؤسسة للرؤيتين المعرفيتين، وعمليا في حياة الناس وتصرفاتهم، وكشف علاقة السلوك التاريخي بالمبادئ الموجِّهة، وكذا العوائق التي حالت دون تجسيد تلك الأصول في الواقع التاريخي.
س4: كيف تعاملتم مع مسألة المراجع؟ هل هناك وفرة أم ندرة؟ وهل استعنتم بالمراجع الأجنبية وبلغات أخرى غير العربية؟
تنوعت مراجع البحث بتنوُّع الأسئلة التي تطرحها إشكاليته، فسؤال المشترك الديني بين المسلمين وغيرهم يستوجب البحث في النصوص المؤسسة للدين بدءا من القرآن الكريم وأمهات التفاسير، وكتب الصحاح والسنن والمساند في الحديث النبوي، والكتاب المقدس، والشروح المتصلة به، وفلسفة الدين. وسؤال المشترك العلمي يفرض الاطلاع على كتب فلسفات العلوم وتاريخ العلوم ومناهج العلوم عند المسلمين وغيرهم، والمشترك العمراني يتطلب الاطلاع على مؤلفات كثيرة في العمران البشري وعلم الاجتماع وتاريخ الحضارة، وسؤال المشترك البيئي الطبيعي يحتاج جوابه إلى الاطلاع على كتب وتقارير وإنجازات الأشخاص والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية المهتمة بالبيئة في العالم.
بالإضافة إلى ذلك استفدت من مؤلفات فلاسفة وعلماء ومفكرين عرب ومسلمين يصعب عدهم، أذكر منهم: طه عبد الرحمن، علال الفاسي، محمد عزيز الحبابي، روجي غارودي، علي عزت بيغوفيتش، عبد السلام ياسين، زيغريد هونكه، عبد الوهاب المسيري، مالك بن نبي، إدوارد سعيد، محمد الغزالي، محمد اعمارة، اسماعيل الفاروقي، مراد هوفمان، عبد المجيد النجار، محمد عابد الجابري، عبد الله العروي، عبد المجيد الصغير، حسن حنفي، عبد الإله بلقزيز، طه جابر العلواني، حمو النقاري، سعيد شبار، محماد رفيع، إدريس مقبول... وغيرهم من الفلاسفة والمفكرين مثل إريك فايل، إيمانويل كانط، سيرج لاتوش، أوغست كونت، هانس كوكلر، توشيهيكو إيزتسو، جون هيك، برتراند راسل، برنار لويس، إرنست رينان، جون بيير فرنان، فريدريك هيجل، غاستون باشلار، ميشيل فوكو، إدغار موران، جول راولز، صمويل هنتغتون، فرنسيس فوكوياما، ...الخ، كما اطلعت على مؤلفات ومقالات وتسجيلات كثيرة تناولت قضايا "الإسلام والغرب" أو "المسلمون والغرب" أو "حوار الأديان" أو "حوار الحضارات" أو "تعارف الحضارات"...
س5 : ما رأيكم في الدراسات التي تناولت مسألة الإسلام و الغرب؟ وهل أجابت عن سؤال طبيعة العلاقة بين الجانبين بل وحتى استشراف مستقبلها؟
يلاحظ المهتم بالموضوع أن هناك كتابات لامست كنه المشكلات إلا أنها قليلة جدا مقارنة مع أغلب الكتابات التي كانت عاطفية وسطحية. وفيما يتعلق بالمراجع غير العربية أقصد بالإنجليزية والفرنسية لا تكاد تعثر فيها على مؤلف يختص بمعالجة قضية المشترك الإنساني، أو يعالج العلاقة بين المسلمين والغرب في ضوء المشتركات الكبرى بينهما، إلا أن تكون بعض الدراسات المستعجلة أو المقالات أو الإشارات المتفرقة هنا وهناك، وقد اعتمدت على بعضها وذكرت ذلك في متن البحث. وإن كانت أغلب الدراسات لا تؤسس للمشترك إلا في بعض الجوانب الثقافية والسوسيولوجية والأنثروبولوجية بعيدا عن الأسس الكلية التي نسعى إلى كشفها.
وباللغة العربية لحد إنهاء البحث لم نعثر على دراسة جامعة ومفصلة لموضوع المشترك الإنساني بأبعاده الدينية والعلمية والعمرانية والبيئية، ونأمل أن يكون بحثنا هذا إسهاما متواضعا في سبيل التأسيس المنهجي والمعرفي العميق لهاته النظرية، والتقعيد العلمي لها. إلى جانب الجهود التي يبذلها العديد من الباحثين ومراكز البحث التي وصلتنا في شكل مقالات ودراسات في دوريات ومجلات مختلفة ومواقع إلكترونية، أذكرها في هوامش البحث، وبين مراجعه.
س6 : ما هو المشترك الجامع بين الإسلام / الحضارة الإسلامية وبين الغرب ؟
لا شك أن العالم مؤلف من ثقافات مختلفة، إلا أن تعددها ينبئ عن وحدتها الأصلية، ولا يمنع من إيجاد قواسم مشتركة كبرى يلتقي فيها كل بني الإنسان على اختلاف عوائدهم وعاداتهم، وأقوالهم وأفعالهم، وتتلاقح فيها حضارتهم وتتكامل ثقافاتهم، وتلتقي مصالحهم ويحصل التعارف والتعايش والتعاون. وبهذه القواسم نتحدث عن الحضارة الإنسانية المشتركة التي تؤسسها الأصول الدينية والعلمية والطبيعية والعمرانية، وما تحمله من قيم كونية خالدة خلود الحياة الإنسانية على الأرض. ويعد الدين في كُلياته الكبرى ومقاصده العليا أهم الأسس التي يقوم عليها المشترك بين المسلمين والغرب، فهو شجرة واحدة ممتدة جذورها عبر السلسلة النورانية النبوية إلى مرحلة ختم الرسالات، وترتكز فلسفة الدين أساسا على مبدأ التوحيد، وهو المبدأ العقدي والمعرفي والسلوكي والعمراني الذي جاء به جميع الأنبياء ودعوا أقوامهم لفهمه والعمل بمقتضياته، وقدموا لهم الأسوة مِن أنفسهم ومَن معهم مِن الأصحاب والحواريين والأتباع، فكان الأنبياء إخوة يؤسسون لحضارةِ الأخوة. أما الذين يصرحون بأنه لا دين لهم فهم قلة في العالم من جهة ولا يضرهم الدين في كلياته من جهة ثانية لأنه ليس مذهبا نقصد وإنما كليات الرسائل الإلهية التي لا تختلف فيها المِلل بتعبير الشاطبي رحمه الله. إضافة إلى أن المعرفة التي أنتجتها العلوم الطبيعية في مختلف تخصصاتها وخصائصها هي "مشترك إنساني عام، وذلك لأن مناهجها تحاول أن تتحقق بالحياد العلمي، ولأن التجربة الملموسة بالحواس المادية عموما هي السبيل لاكتشاف "حقائق" هذه العلوم، التي هي بنت الدليل، والدليل لا يختلف باختلاف مذاهب وعقائد وأجناس وفلسفات المكتشفين والباحثين. وقس على ذلك المشترك الطبيعي والحضاري والبيئي والفني...
س7 : في مقابل صراع الحضارات النظرية الهنتكتونية هل يمكن القول بحوار الحضارات ؟ وكيف السبيل إلى ذلك؟
نظرية صراع الحضارات قديمة في التاريخ، وقد أججها في النصف الثاني من القرن العشرين المستشرق الأمريكي برنار لويس في مؤلفاته ورسائله وتقاريره التي كان يقدمها إلى الدبلوماسية الغربية عموما والأمريكية خصوصا، والتي رسم من فيها صورة سوداوية عن دين الإسلام وتاريخ المسلمين ونواياهم المستقبلية، ومنها استقى صمويل هنتغتون نظرته العدائية لحضارة الإسلام، وبالتالي تحريض الغرب لنهج سياسات تحاصر المسلمين وتُشتت جمعهم وتُضعف قوتهم. وهي نظرية يمكن نقدها وتجاوزها بإعداد الأنموذج الحي على مستوى التصور المرجعي للمسلمين أولا، والذي ينبغي أن يواتي اللحظة التي نعيشها في العالم وليست تلك التي محاها الزمن أو أرادنا، ثم على مستوى الإنجاز الحضاري العملي ثانيا.
س8: كيف يمكن التغلب على عدد من العقبات المعرقلة للحوار المشترك بين الإسلام والغرب وعلى رأسهم ما يعرف بالمركزية الغربية؟
س9 : ما هي معالم نظرية المشترك الإنساني التي أسس لها القرآن الكريم؟
اقتنعنا بأن تجاوز الأزمة المركبة التي يعيشها المسلمون اليوم وإصلاح المواجع التي خلفتها بغية تحقيق الإصلاح في المنهج والمعرفة والواقع، والانتصار لحضارة المشترك الإنساني لا يتم إلا من خلال إصلاح جذري للنظام الفكري للعقل المسلم أولاً، والتخلص من آفات التقليد والاستتباع، وحيث تعاني ثقافة المسلمين من جملة اختلالات أقعدتهم عن إقامة أنموذج معرفي يستقيم فيه النظر على جادة المنهاج القرآني النبوي بخصائصه العالمية والشمولية والغائية والتكاميلة والاستيعابية والوسطية. وبتربية العقل المسلم التربية الشاملة والعميقة يُسهم المسلمون من جهة خيريتهم في تأسيس حضارة المشترك الإنساني، باعتبارها الحضارة الوارثة للإنجازات. وليست حضارات الصراع التي تؤججها فلسفات الكراهية الآيلة إلى زوال. وهذا يتطلب اجتهادا تجديديا جماعيا وشاملا، عبر عملية نقدية ضرورية لكل ما وَصَلَنا مِن تراثنا أو من تراث غيرنا، ومراجعة منهاجية تعيد ترتيب أولويات التفكير والإنجاز من جديد في ضوء المستجدات الحياتية الواقعة والمستقبلية، من خلال مقومات مجالنا التداولي.
أثناء هذا العملية نجد أن مشروع المشترك الإنساني ينسجم تماما مع الاهتداء بالقرآن الكريم المنـزل مِن لدُن حكيمٍ عليمٍ بمَن خلَق وبما يصلح لهذا الخلق. فهو كتاب عالمي بخطابه وموضوعاته ومقاصده، وهو برهان وفرقان به يتميز الحق من الباطل والخير من الشر، والإنسان مخلوق يتفاعل مع جميع القيم الثقافية والأنساق الحضارية، ليُقومها ويتمم مكارم أخلاقها، ومع جميع المناهج المعرفية، ليستوعبها ويصححها ليسمو بها. فهو خاتم الرسالات والمهيمن عليها هيمنة تصحيحية إتمامية، الذي هو توحيد الله والتخلق بقيم الهدى ودين الحق في إطار الأصل الآدمي والحنفية الإبراهيمية، وليست هيمنة إلغائية أو إقصائية. والتاريخ شاهد على أن رسالة القرآن الخالدة تحتضن التفاعل الأكبر بين الأجناس والأعراق والشعوب والأمم، وقادرة على استيعاب قضايا العالمين وتقديم الأنموذج الناجح، الذي يرتبط نجاحه بالتركيز على الأسس المشتركة بين الإنسانية والاعتراف بتكامل الثقافات وتداخلها وتنوع عناصرها.
ومعالم هذه النظرية تستشف أكثر من خلال الاطلاع على البحث.
س 10: كيف تقيمون مستوى مادة الفلسفة بالمغرب: تعليما و ثقافة؟ ثم واقع البحث العلمي بالمغرب؟
الفلسفة عموما تشغيل للعقل وتحريض له على السؤال والنظر والنقد والحوار، والتفلسف فعل تدليلي لا يقبل الخطابات التضليلية والتغليطية الائتمارية التي تتسلط على الإنسان وتسحبه إلى التولي والجمود، والدرس الفلسفي هو مجموع إجراءات تنظم خبرات ومعارف وتقنيات معينة بجهد ذهني ينطلق من حصة الفصل والمحاضرة لإثارة إشكالات وشرح مفاهيم وتحليل مواقف ونقد أطروحات وبناء معارف. ثم يمتد إلى خارج الفصل ليسائل الواقع والحياة والكون، سؤال الجدوى والفاعلية والغاية، فيمحص المعرفة الشائعة وينتقد فساد الاستدلال ويدفع الحجة بالحجة…ويرتكز على منطق التساؤل والاستبصار والاعتبار والنقد والمراجعة.
وأخطر ما يهدد التفلسف في واقعنا العربي والإسلامي هو طغيان الإيديولوجيا على المعرفة، وسيطرة النزعات الصبيانية على الدرس الفلسفي، والسبب في ذلك في نظري هو عدوى اللائكية الفرنسية أو قل الدهرانية التي فصلت الأخلاق عن الحياة وعن الدين، وصورت للناس باطلا أن الدين والفلسفة لا يلتقيان، وأن التدين والتفلسف لا يجتمعان.
وأخيرا كما سبق أن قلت "الدرس الفلسفي يرتبط في جانب كبير منه بالأستاذ وبالفضاء العام، فإذا كان الأستاذ واعيا بخطورة وجسامة مسؤوليته، قائما بمهمته عن جدارة، وكان الفضاء العام يسمح بحرية التفكير والتعبير والسلوك فسيُجدي الدرس ويُثمر. أما إذا تقاعس المُـدرس أو استعلى، وساد الخوف من التفكير ومحاربة المعرفة وقمع السؤال واختطاف الحقيقة، وتلقين التاريخ على أنه مطلق. فسلام على الفلسفة المُبدعة الناقدة".
س11س: لفت انتباهي تنويه وشكر للدكتور طه جابر العلواني رحمه باعتباره ساعدكم في بلورة كيف إشكالية الموضوع كيف ذلك؟ وما تقييمكم لتجربته في المعهد العالمي لكفر الإسلامية/ وأطروحة إسلامية المعرفة؟
بالفعل تبادلت مع الدكتور طه جابر العلواني رحمه الله رسائل كثيرة تهم بعض قضايا البحث العلمي، ويرجع إليه الفضل في اقتراح بعض مفردات مشروع هذا البحث ومواكبته في مراحله الأولى، ولما انتهيت وناقشت الأطروحة سُرَّ بذلك وهنأني بحرارة، وطلب مني أن أحتفظ له بنسخة بعد طبعه، إلا أن دار النشر والتي هي المعهد العالمي للفكر الإسلامي تأخرت كعادتها في إخراج المخطوط كتاباً رغم الموافقة على طبعه قبل ثلاث سنوات والتعاقد قبل سنتين. حتى توفي العلواني رحمه الله ولا يزال البحث في عهدة المعهد العالمي الذي لا يسر فعله هذه السنوات الأخيرة وخاصة مع ذهاب الرواد الأوائل، ورحم الله الدكتور اسماعيل راجي الفاروقي.
أما أطروحة إسلامية المعرفة فقد قدمت خيرا كثيرا للباحثين في الفكر الإسلامي، ولا ينكر هذا الخير إلا مكابر أو جاهل بتلك الإنجازات العلمية والفكرية والثقافية الكثيرة. غير أنها لا تكفي لتكون مدخلا وحيدا لتغيير ما بالأمة أو تجديد دين الإسلام أو إعادة تشكيل العقل المسلم عبر "أسلمة" ما ينتجه الآخرون ومواءمته مع ما عند المسلمين.
س12: ما هي الصعوبات التي واجهتكم أثناء مرحلة الإعداد للأطروحة؟ وما هي مشاريعكم المستقبلية؟
لا يوجد بحث علمي من غير صعوبات تعترضه، وهي نفسها قد ترتد محفزات لمواصلة البحث ومكابدة مشاقه. أما عن بعض المشاريع المستقبلية القريبة فيمكن الحديث عن مشروعين متكاملين هما:
1- مشروع تعميق النظر في سؤال تجديد الفكر الإسلامي العربي من خلال مدرسة أستاذي الفيلسوف طه عبد الرحمن الذي أثل نظرية علمية جديدة تعيد الاعتبار للمنهج وللإنسان وللأخلاق، وتساعد الباحث والمفكر على امتلاك آليات التفكير النقدي والإبداعي الذي لا يجمد على المعارف الموروثة ولا المعارف المنقولة بل ينهض إلى مضاهاتها والإتيان بما يمكن أن يستوعبها ويتجاوزها.
2- مشروع الاهتمام بمبحث نظري منهجي في المنطق المعاصر يدعى التفكير النقدي، نحاول تقريبه إلى الطلبة والطالبات لتجديد وتجويد طرائق التفكير من جهة، والإسهام في تطوير هذا الفرع من المنطق من جهة ثانية. إن شاء الله.
بالتوفيق إن شاء الله
تعليقك -
كتبه farrakphilo بتاريخ 27 مارس 2016 23:14
الاستدلال الرياضي
إذا كان لنا أن نتكلم عن " معجزة إغريقية " في تطور الفكر الإنساني, فلعله يجدر بنا أن نلمس ذلك في البروز المفاجئ لنمط من التفكير لم يوجد عمليا حتى مجيء الإغريق, وهو النمط الذي رفعه الإغريق دفعة واحدة إلى درجة من الكمال لم يضاهيهم فيها أحد طوال عشرين قرن, إنه الاستدلال الاستنتاجي بمعنى تسلسل من القضايا مرتبة ترتيبا يجد القارئ أو السامع نفسه معه مجبرا على أن يقر بصحة كل قضية من تلك القضايا مادام أنه سلم بصحة القضايا التي سبقتها في الاستدلال.
إن الشرط الجوهري لتطبيق الاستدلال الاستنتاجي هو صحة المقدمات, فعندما تكونت الرياضيات بصفتها علما مستقلا وعندما شرع الإغريق في تقنين قضايا هذا العلم انتهى بهم الأمر إلى قضايا أولية أي إلى قضايا لا بد من التسليم بصحتها دون برهان. بعض هذه القضايا تسمى عند أقليدس أوليات وبعضها الآخر مصادرات... وهي على ما يبدو تعتبر قضايا بديهية بحكم أنها متضمنة ضرورة في التمثل الذهني الذي يمكن أن يكون لنا عن هذه المفاهيم أما المصادرات فتتعلق بالكائنات الرياضية بالمعنى الدقيق.
وشهد هذا الموقف تطورا في تحول التحليل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومن هنا جاءت الضرورة المطلقة التي غدت تفرض نفسها على كل رياضي وهي ضرورة أن يعرض استدلالاته في شكل أكسيومي أو في شكل تتسلسل فيه القضايا بمقتضى قواعد المنطق وحدها وذلك بغض النظر إراديا عن كل البداهات الحسية التي يمكن أن توحي بها للفكر الحدود التي تتضمنها هذه الاستدلالات.
ديودني: تيارات الفكر الرياضي الكبرى
تعليقك -
كتبه farrakphilo بتاريخ 27 مارس 2016 23:13
الرياضيات التقليدية والمعاصرة
القضايا الرياضية يقينية بنسبة ابتعادها عن الواقع وغير يقينية بنسبة اقترابها منه. هذا ما أوضحته لنا منظومة الأوليات فالتقدم الذي حققته هذه المنظومة مرده إلى أنها منطقية شكلية أي مستقلة عن الواقع الحدسي: لنضرب مثلا على ذلك من نقطتين في المكان نستطيع دوما أن نرسم خطا مستقيما واحدا لا أكثر. فكيف تفسر الرياضيات القديمة هذه المصادرة أو البديهية ؟ و كيف تفسرها الرياضيات الحديثة ؟
التفسير القديم: كلنا يعرف ما الخط المستقيم ؟ و ما النقطة ؟ هذه المعرفة أهي نتيجة للفكر أم نتيجة للواقع أم للاثنين معا إن الرياضي ليس مجبرا على الإجابة عن هذا السؤال بل يتركه للفيلسوف لكن الرياضي القديم يعد هذه المصادرة واضحة بذاتها قبل كل تجربة.
التفسير الحديث:فلا يعنيه وضوح المصادرة و إنما صفتها الشكلية أي انفصالها عن حدث واقعي لأنها في نظره إنشاء حر يقوم به الفكر الإنساني. فالمصادرة في نظره هي التي تحدد الموضوع لا العكس كما في الرياضيات القديمة و لهذا ترى الرياضيات الحديثة في المصادرات أو ( البديهيات ) تعريفات ضمنية.
ولهذا فالرياضيات الحديثة تتحلل من كل محتوى فهي شكلية خالصة فكلمة نقطة أو خط أو أمثالها يشير في الرياضيات الحديثة إلي مفهومات خالية من كل محتوى.
أنشتاين: الهندسة و التجربة
***
تعليقك -
كتبه farrakphilo بتاريخ 25 مارس 2016 12:08
سقراط الفيلسوف - سيرة غريبة
https://www.youtube.com/watch?v=nqzY-_bJfRU&ebc=ANyPxKqBOpjkfoqQGfhfF-Mr3Yo-s-59pXTr1PJsRSJcfELjWbb8XzH9lSxe-6tCTgD-PY3BZw4L85PksPhTcMaLuNhqVqVCgw
تعليقك -
كتبه farrakphilo بتاريخ 6 يوليوز 2015 14:22
الوجيز في الفلسفة
منهجية التحليل وملخصات الدروس لجميع الشعب
صدر عن مطبعة الجودة بالرباط، مؤلف جديد للدكتور أحمد الفراك تحت عنوان "الوجيز في الفلسفة : منهجية التحليل وملخصات الدروس لجميع الشعب" ويقع هذا الكتاب في 106 صفحة من الحجم المتوسط، توجه به إلى تلاميذ الباكالوريا وإلى كل طلبة الفلسفة في كل مكان. .
وجاء هذا الكتاب لتقديم خدمة جليلة لهذه الفئة من التلاميذ والتلميذات والطلبة والطـالبات الذين يشْـرئِبُون الـى العـلــــــم والمعرفة والتواقة الى التحصيل، والحصول على التميز، والتي تبحث عن التفوق الدراسي ، ولعل ما يميز هذا الكتـاب هو بساطة أسلوبه ومنهجيته الواضحة القـريبة من ادراك التـلاميذ والتلميـذات، والملبية لحاجـات كل مــن يبـحث عـن ضـالته فــي الفلـسفة وقضاياها الكبرى واشكـالاتهـا المـتعــددة والمتنوعة. .وقد تمكن الدكتور أحمد الفراك بحق من الإلمام والإحاطة بمقرر السنة الثانية باكالوريا لجميع الشعب ومن مضامينه، بأسلوب سلسل وبسيط وبطريقة متيسرة، متجنبا بذلك العبارات المــركبة والمعقدة، كما تمكن الأستاذ الفراك بكل اقتدار من النجاح وهو أهل له في تقديم "خطوات منهجية في كتابة انشاء فلسفي سليم ومتكامل، سواء تعلق الامر بمعالجة السؤال أو القولة أو النص ".ثم إن ما ميز هذا الكتاب هو قدرة صاحبه على استحضار القدرات الاستيعابية للتلميذات والتلاميذ في تناوله لمواقف الفلاسفة وانتقائها بعناية دقيقة وعرضها بمنهجية مضبوطة، مما سيسهل على القارئ فهم مادته واستيعاب أطروحات الفلاسفة بالرغم من تنوعها و اختلافها من حيـث البناء والمعنى والرؤية والتصور .يقول الدكتور أحمد الفراك في مقدمة كتابه هذا الموسوم بالوجيز في الفلسفة: "آمل من هذا الكتاب أن يساعد التلاميذ والتلميذات على تحصيل الدرس الفلسفي المقرر والانخراط فيه بشكل يطور كفاآتهم ويُنمي قدراتهم، ويدفعهم إلى كتابة موضوع فلسفي متماسك وسليم، يتجاوزون به النقص والعجز الذي يمنع غالبيتهم من التعاطي الايجابي مع مادة الفلسفة ".هنيئا لتلامذتنا وطلبتنا بهذا الإصدار الجدي والجيد والغني بمضمونه والمتميز بسهولة مفاهيمه، وهنيئا للمكتبة المغربية والساحة الفلسفية بهذا المولود الجديد الذي يعد إضافة نوعية للدرس الفلسفي .------------------------------------للتواصل: Elfarrak@gmail.com
تعليقك -
كتبه farrakphilo بتاريخ 19 ماي 2015 01:07
الدرس الفلسفي بالمغرب: وضعه ورهاناته
—————————————
السلام عليكم.
في البداية أشكركم جزيلا الدكتور أحمد على قبولكم طلب الحوار حول موضوع يتعلق أساسا بالدرس الفلسفي بالمغرب: وضعه ورهاناته.1- قبل سبر أغوار الموضوع، الضرورة المنهجية ستلزمنا التوقف أولا عند دلالة مفهوم “الدرس الفلسفي”، فما المقصود به وما أسسه ومرتكزاته البيداغوجية والديداكتيكية باختصار مفيد ؟
أولا أشكر الأستاذ الفاضل رشيد على أن خصني بهذا الحوار النوعي الذي يستشكل الدرس الفلسفي، ويحصل لي الشرف أن أكون محاوَرا في موضوع يشغلني باستمرار لأُبدي فيه رأيي انطلاقا من تجربتي المتواضعة في هذا الزمان وفي هذه البلاد.
الدرس الفلسفي المقصود في السؤال هو مجموع إجراءات تنظم خبرات ومعارف وتقنيات معينة بجهد عقلي ينطلق من حصة الفصل لإثارة إشكالات وشرح مفاهيم وتحليل مواقف ونقد أطروحات وبناء معارف. ثم يمتد إلى خارج الفصل ليسائل الواقع والحياة والكون، سؤال الجدوى والفاعلية والغاية، فيمحص المعرفة الشائعة وينتقد فساد الاستدلال ويدفع الحجة بالحجة…ويرتكز على منطق التساؤل والاستبصار والاعتبار والنقد والمراجعة، ويستوعب الدرس بيداغوجيات متداخلة أحيانا ومتناوبة أخرى. وهذا الدرس بهذه المواصفات ليس سهلا ولا ميسرا للجميع، ولا تكفي فيه حصص التأطير التربوي أو كُتيبات البرامج والمناهج على فائدتها الجمة.
2- انطلاقا من تجربتكم الفصلية، ما هي الخلاصات التي خرجتم بها من خلال تدريسكم لمادة الفلسفة ؟
درس الفلسفة في نظري مُتعة كبيرة، تساؤلات قاصدة منتقاة، ومحاولات أجوبة متناقضة، ومواقف فلسفية مختلفة، وحرارة نقاش ناذرة، وإصغاء متبادل بين الطلبة والأستاذ، وحوارات تزاوج بين النظر المجرد والواقع اليومي للتمثيل، وترفع الواقع إلى النظر للتعريف…كل ذلك من غير حرج البحث عن الترجيح أو الإجماع أو القول الفصل كما عند الفقهاء، وهكذا تمر سويعة الفلسفة بسرعة بعيدا عن وثوقية الـمُعلم التقليدي وتحيزه المرضي.
هذا من جهة ومن جهة أخرى أقول أن الفلسفة مجرد مادة من بين مواد مقررة تُدرس للتلاميذ والطلبة، وليست بُعبعا يخشى من تدريسها نشر الإلحاد أو العبثية، وإن اصطبغت في فترة ما من تاريخ العرب المعاصر بذلك نتيجة انتشار التفكير الشيوعي قبل أن ينحسر. بل الفلسفة تساهم في توعية التلميذ/الطالب بإنسانيته ووضعه بوصفه فردا تحكمه وضعيات صلبة وأخرى سائلة، وأنه جزء من تنشئة وثقافة وموضوع، وأنه يحاول التساؤل والتحرر والإبداع باستمرار، كما يمكن لرأيه أن يؤثر وأن يضع إشكالا ويحل مشكلا قائما كما قدم الكثير من الفلاسفة حلولا لمشكلات الإنسانية وكانوا سببا لإنقاذ كثير من الأمم من الاستبداد باسم الدولة أو باسم الدين.
3- ما هو تقييمكم لوضع الدرس الفلسفي بالمغرب في ظل العدة البيداغوجية القديمة – الجديدة ؟
تفنى البيداغوجيات التنميطية المتسارعة ويبقى الدرس الفلسفي بمتعته متمنعا عن التطويع والتطبيع. متخلصا من إسار الرهانات السياسية الخاسرة، وإن استثنينا عوامل تدني مستويات الطلبة تبعا لتدني سياسات التعليم في بلادنا، يرتبط الدرس الفلسفي في جانب كبير منه بالأستاذ وبالفضاء العام، فإذا كان الأستاذ واعيا بخطورة وجسامة مسؤوليته، قائما بمهمته عن جدارة، وكان الفضاء العام يسمح بحرية التفكير والتعبير والسلوك فسيُجدي الدرس ويُثمر. أما إذا تقاعس المُـدرس أو استعلى، وكان الخوف من التفكير ومحاربة المعرفة وقمع السؤال واختطاف الحقيقة، وتلقين التاريخ على أنه مطلق. فسلام على الفلسفة المُبدعة الناقدة.4- ألا يمكن أن نقول أن الدرس الفلسفي يبقى مكبلا عندما يؤطر بسياق بيداغوجي معين ؟
التفلسف على خلاف باقي أفعال التفكير يغلب عليه التساؤل والنقد ونقد النقد والابداع، بالإضافة إلى اكتساب مهارات الفهم والتعبير والتحليل والتركيب والمحاججة والاستنتاج، ويتضايق أحيانا من القيود البيداغوجية التي تريد أن تمسخه ليصير خَبرا وخُبزا وواقعة تاريخية ونقطة تمنح للطالب والطالبة نهاية المسلك ونهاية الفصل.5- ما رأيكم في الانتقال الذي طبع عملية تدريس الفلسفة بالمغرب، أي أنه في السابق كانت المادة المعرفية هي الغاية المتوخاة في ظل ما يسمى ببيداغوجية الأهداف، بينما الآن أضحت الرؤية موجهة نحو تمكين التلميذ من إعمال عقله وحثه على التفكير، ومنطق الفحم المعرفي لم يعد من أولى الأولويات ؟
الفلسفة منفتحة على جميع البيداغوجيات والمعارف تأخذ منها لتطوير مهماتها وتوسيع موضوعاتها، لكنها متجاوزة للتحديدات المرسومة في نفس الوقت وغير منضبطة بمقوماتها، وبالتالي لم يكن هناك انتقال في عملية التدريس من التحصيل الكمي إلى اكتساب الكفايات. وإلا متى كانت الفلسفة أصلا لا تحرض الطالب على إعمال عقله وحثه على التفكير والنقد؟ وما أصابها عموما هو ما أصاب التعليم المغربي من نكوص وتقهقر. نتمنى أن نتجاوزه مستقبلا.
6- ألا ترى معي الدكتور أحمد أن الطالب في العصر الحالي لا يكترث إطلاقا لما هو مخطط له من طرف الأستاذ، بل ما يفكر فيه أولا وأخيرا هو النقطة فحسب ؟
حُق للطالب أن يفكر في النقطة أولا، ففيها تكمن “مصلحته” وبها يحقق “نجاحه” ومن خلالها يكسب مكانته في المجتمع، بل عن النقطة يسأله الجميع، حتى المـُدرس نفسه. فكيف لا يعبأ بها وهي معيار تقدمه وتأخره، جدّه وهَزله؟
غير أن هذا لا يعفي الأستاذ من إعداد وبناء درسه بمعية الطلبة والطالبات ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وليس عليه أن يصير الناس جميعا فلاسفة، لأنه ليس بمستطاعه تغيير وضع اجتماعي وسياسي ملتفت عن المعرفة عموما إلى تحقيق الكفاية المعيشية، المـُدرس يساعد من يرغب، ويحفز من يفتر، ويوقظ من يغفل، وفوق طاقته لا يُلام. لكنه لا يحيي الموتى ولا يبحث عن المفقودين. ونحن نعرف أن نظمنا التعليمية لا تبحث عن النوعية والجدوى بقدر ما تتصيد رضا المؤسسات الدولية المانحة للقروض.
7- كيف يمكن للدرس الفلسفي أن يحقق أهدافا قيمية تساعد على تعزيز صرح المجتمع المغربي ؟
يمكن للدرس الفلسفي أن يؤثر إيجابيا كما يمكن أن يؤثر سلبيا، يكون إيجابيا إن هو تخلص من الطريقة التقليدية التي تعتمد التلقين والاستظهار، وانتقل ليكون محط التقاء رغبة الطالب ونجابته بكفاءة الأستاذ المعرفية والأخلاقية، فيكون الأستاذ (ة) قدوة للطالب بأخلاقه وسيرته من قبيل احترام الطلبة وانتظام الحضور والمساواة بينهم وضبط الوقت ومراعاة الظروف الخاصة.. وفي نفس الوقت ينبغي أن يكون محبا لمادته، متمكنا من موضوعات الدرس؛ مطلعا على إشكالاتها وقضاياها ومُعدا لدرسه قبل المجيء إلى الفصل… بهذين الشرطين في نظري تنبث القيم الإنسانية النبيلة لدى الطالب ويتشبع بها وينخرط فيها من داخل الدرس الفلسفي: الجدية، الحرية، الكرامة، العدل، المحبة، الأخوة البشرية، طلب العلم…
8- كيف ينبغي أن تدرس الفلسفة من وجهة نظركم، وهل ثمة مقترحات عملية لتحسين وضع الدرس الفلسفي بالمغرب ؟في المغرب تجربة فلسفية غنية ومهمة قاومت وما تزال تقاوم العجز والكسل والتبعية، يمكن الاستفادة منها عبر تقويمها وتحديثها ومدها بالوسائل الديداكتيكية والبيداغوجية التي تلائم طبيعتها، وهذا يتطلب أولا إرادة سياسية حقيقية مقتنعة بجدوى درس الفلسفة في إحداث تحول ثقافي وقيمي يوافق ويستصحب التحولات الواقعة في زماننا، ولم لا قد يقودها ويوجهها لتقدم فائدتها الاستراتيجية التي لا تقاس بآنيتها. أي القطع مع الذهنية التحكمية التي تمارس الوصاية على الفلسفة التي تسهم في ترذيل مُدرس الفلسفة.
كما يتطلب إعداد جيل من المُدرسين يتلقون تدريبا نوعيا وشاملا يؤهلهم نفسيا ومعرفيا ومنهجيا للإبحار بسلام في لجج الدرس الفلسفي المهدد بكثير من المخاطر. فننتقل من التدريس بشروط التشاؤم واليأس في الحاضر إلى التدريس بشروط التفاؤل والإنجاز في المستقبل.المحاوِر: رشيد أمشنوك. جريدة أكابريس
----------------
بريد التواصل elfarrak@gmail.com
تعليقك -
كتبه farrakphilo بتاريخ 15 ماي 2014 00:12
تحليل ومناقشة نص فلسفي
د. أحمد الفراك
النص الفلسفي هو مجموعة من الأفكار الـمُرتَّبة والأحكام الـمُدَللة (تستند إلى أدلة) تُعبر عن موقف فلسفي واحد من قضية أو إشكالية فلسفية محددة. أي أن النصَّ هو جوابٌ احتمالي عن سؤالٍ ضمني أو صريح.
ومعالجة النص تحليلا ومناقشة تتطلب احترام المراحل الآتية:
المقدمة
تتكون المقدمة من تمهيدٍ مناسب يحدِّد الإطار العام للنص، أي المجزوءة التي يتأطر داخلها النص (الوضع البشري، المعرفة، السياسة، الأخلاق) والموضوع (الشخص، الغير،...) الذي يتحدث عنه النص، ويستشكل الدعوى التي يحملها بطرح سؤال أو أسئلة يجيب عنها النص. لأن المطلوب في هذه اللحظة من الإنشاء هو فهم النص وتأطيره في سياقه المعرفي، لذلك تسمى المقدمة بـمَطلب الفهم.
التحليل:
نبدأ باستخراج أطروحة النص الأساسية أي ماذا يقول النص باختصار، ثم الانتقال إلى تحليل النص، ويتوقف التحليل على شرح وتفسير وتبليغ مقصِد صاحب النص من كلامه بتفسيرِ موقفه وشرحه شرحاً مُفصلاً ومُدللاً وسليما (لغويا ومنطقيا)، وتتبع نسقيته فكرةً فكرة وفقرةً فقرة، والحرص على استعمال مفاهيمه وحُججه، فهي التي تحمل معانيه وتُبين مقاصده. ويستحسن توظيف الاستشهاد من داخل النص، وينبغي أن يكون هذا الاستشهاد أمينا لا زيادة فيه ولا نقصان، ومُوجَزا دون تكرار معظم النص، ومُناسباً يحفظ للإنشاء اتساقه ومنطقه. ففي التحليل نركز جهودنا على التفكير مع النص تبياناً له دون الاعتراض عليه، أي استنطاق النص حسب تعبير الفيلسوف هانز جورج غادامير.
ونختم التحليل بخلاصة استنتاجية لموقف صاحب النص. ويمكن أن نضيف سؤالا يفتحنا على المناقشة.
المناقشة
بعد الانتهاء من تحليل النص نبيِّن قيمته وحدوده، وذلك بتجاوز أطروحته إلى أطروحات فلسفية أخرى مؤيدة توافقه ونقدية تخالفه، والتي تضفي على الإنشاء التكامل والعُمق في تناول الإشكال المطروح. أي أننا ننتقل من التفكير مع النص (كما في التحليل) إلى التفكير في النص والنظر في موقفه وحِجاجه من زوايا نقدية مختلفة. ونختم المناقشة بخلاصة للمواقف المخالفة.
الخاتمة
تكون خلاصة تركيبية تجمع بين المواقف، أو تنحاز إلى أحدها باعتبار قوة حُججه، أو تكون مُتسائلة ومفتوحة تزيد الإشكال عُمقا. مع التزام الدقة في التعبير والفهم والنقد.
--------------------------------
بريد التواصل elfarrak@gmail.com
5 تعليقات -
كتبه farrakphilo بتاريخ 15 ماي 2014 00:10
كيفية تحليل ومناقشة قولة فلسفية
إعداد: أحمد الفراك
كل قولة فلسفية هي "جزء من نص" وتحمل دعوى قائلها، أو بعبارة أخرى هي موقف بلا حجج، فهي غالبا ما تكون خالية من الأدلة، وتُعبر كل قولةٍ عن موقفٍ فلسفي واحد يعالج إشكالية فلسفية محددة. ومعلوم أن كل موقف فلسفي يحمل داخله نقيضه، أي الموقف الذي يختلف معه بصدد نفس الإشكالية. وكل قولة هي جواب عن سؤال ضمني ينبغي استخراجه وإبراز مفارقاته.
لتحليل القولة الفلسفية ومناقشتها ينبغي مراعاة الخطوات التالية :
1- المقدمة: (4 نقط)
تمهيد مناسب للموضوع الذي تعالجه القولة (الشخص، الغير، الدولة...) وذلك بتأطيرها داخل المجال الفلسفي الذي تنتمي إليه، واستشكال المضمون المحوري الذي تجيب عنه، وتحويله إلى قضية قابلة للاستفهام والنقد، وهو استشكال غالبا ما تسبق معالجته خلال الدرس، ويطلب هنا مراعاة الربط المنطقي بين التمهيد وطرح الإشكال.
2- التحليل: (5 نقط)
البدء باستخراج الأطروحة الأساس في القولة، ثم الانتقال إلى شرح مضمونها شرحاً مفصلاً، بتوظيف مختلف المهارات والقدرات لتبليغه، وبعد ذلك ننفتح على موقف فلسفي (واحد على الأقل) يدافع عن هذا المضمون، لذلك يجب إحضار مختلف الحجج التي سيقت بصدد إثبات تلك الدعوى وترتيبها ترتيبا منطقيا يقوي حُجيتها ويُبلغ مقصد صاحبها بأمانة. ولا بأس من الاستشهاد من داخل القولة أو من الموقف الذي تحمله، شريطة أن يكون أمينا ومناسِبا وبين مزدوجتين "....".
ويمكن إنهاء التحليل باستنتاج مختصر، وبسؤال يفتحك على المناقشة.
3- المناقشة:(5 نقط)
هذه المرحلة تقتضي إبراز محدودية الموقف السابق، واستحضار مواقف فلسفية أخرى تعالج نفس الإشكال، لكنها تختلف معها في نوع المقاربة والمحاجة والاستنتاج، وتعترض عليها وتنتقدها، فمثلا إذا كان مضمون القولة يلخص إثبات حرية الشخص في تكوين شخصيته (سارتر مثلا)، فإن هناك مواقف أخرى تنفي وتدحض هذا الإثبات، وتأتي بأدلة مختلفة تعتبرها كافية للتدليل على عدم قدرة الشخص على تكوين شخصيته مادام خاضعا لحتميات موضوعية تلغي إرادته (باروخ اسبينوزا مثلا) .
4- الخاتمة:(3 نقط)
نختم المراحل السابقة باستنتاج تركيبي يجيب على التساؤلات السابقة، يجمع بين المواقف، أو ينحاز إلى أحدها، أو يطرح أفقا أوسع لحل الإشكال المطروح...
--------------------------
بريد التواصل elfarrak@gmail.com
تعليقك -
كتبه farrakphilo بتاريخ 15 ماي 2014 00:09
السؤال الفلسفي
إعداد: أحمد الفراك
كل سؤال فلسفي يحمل إشكالا محوريا يمكن توزيعه إلى عدة تساؤلات فرعية، مثلما يحمل إمكانية جوابين مختلفين على الأقل. يُستعمل أحدهما في التحليل، ويرجى الآخر للمناقشة. مثلا السؤال: هل وجود الغير ضروري؟ له جوابان على الأقل أحدهما يتبنى أطروحة ضرورة وجود الغير، والآخر الذي يرجى للمناقشة لا يرى في وجود الغير أية ضرورة لوجود الشخص.
المقدمة (4 نقط)
تمهيد يرتبط بالمجال الإشكالي للموضوع (المجزوءة والمفهوم) الذي يؤطر السؤال ثم إعادة صياغة هذا الأخير بشكل ينفتح على عدة مقاربات، ستكون محط اهتمامنا خلال العرض (التحليل وللمناقشة).
- التحليل: (5 نقط)
أبدأ بشرح مفاهيم السؤال إن لم يسبق تعريفها في المقدمة، أو أُفصِّل فيها القول إن ذكرتُها مختصرة، ثم أنتقل إلى الأطروحة المفترضة في السؤال وأشرحها بشكلٍ يُركز على المضمون من جهة وعلى البنية الحجاجية من جهة ثانية. مثلا فيما يخص السؤال السابق يرتكز التحليل على شرح الموقف الأول، كما ينبغي توظيف الأمثلة والاستشهادات بدقة وأمانة وإيجاز... ثم ننهي التحليل بخلاصة للموقف وسؤال يفتحنا على المناقشة.
- المناقشة: (5 نقط)
بعد مرحلة شرح الموقف السابق ننتقل إلى مرحلة الاختلاف والحوار بين المواقف الفلسفية، حيث نستحضر الأطروحات الأخرى المتمايزة والمتعارضة والتي تكشف حدود الموقف السابق وقصوره في الإحاطة بكل جوانب الإشكال المطروح، وتساهم هي في استكمال النظر فيه من زوايا فلسفية مُغايرة...
- الخاتمة:(3 نقط)
تكون استجماعا لمحتوى العرض، بحصيلة مُقْنِعة ما أمكن للجواب على السؤال-الإشكال المطروح سلفا، وإبداء الرأي الشخصي إن كان ممكنا، والانفتاح على إشكالات أخرى مرتبطة به.
--------------------------
بريد التواصل elfarrak@gmail.com
تعليقك
تتبع مقالات هذا القسم
تتبع تعليقات هذا القسم